Saturday, October 18, 2014

رحلات محرمة - الرحالة ليون روش


ولد ليون روش عام ١٨٠٩، توفيت امه في سن مبكر، هاجر والده الى الجزائر و تركه تحت رعاية خالته 

درس القانون و جذبته التجارة و ما فيها من اسفار. في ال ٢٣ من عمره انضم الى والده. لم تكن الحياة مع والده في البداية جذابه 

والده كان يستثمر في الزراعة. تغيرت نظرته للجزائر بهد زيارته لارملة احد حكام الجزائر، احب محادثتها و سلوكها 

خلال تكراره لزيارتها، تعرف على خديجة، وهي فتاة في سن ال ١٤ من العمر. كانت خجولة، وكان روش هواول مسيحي تراه في حياتها 

بعد عام قابلها مرة اخرى، ولامته هذه المرة لعدم تعلمه العربية. احبها واراد ان يتزوجها الا ان اهلها رفضوا لانه مسيحي 

التحق روش بالحرس الوطني الذي اسسه الحاكم الفرنسي دي روفيجو، في احدى المناسبات لمح خديجة و كانت قد تزوجت برجل آخر

اعاد التواصل معها عن طريق الرسائل و الهب قلبه حبها. تولى روش وظيفة مترجم بين الجزائريين و السلطات الفرنسية 

لما شك زوج خديجة بعلاقة رو،ش بزوجته، سفر بها الى مدينة مليانة، معقل المقاوم الجزائري الامير عبدالقادر الجزائري، الذي قاتل الفرنسيين

تولى والد روش منصب اداري في حكومة الاستعمار، وكانت فترة هدنة بين المجاهدين الجزائريين و المستعمر الفرنسي عام ١٨٣٧

تظاهر روش باعتناق الاسلام، و التحق بجيش عبدالقادر الجزائري واظهر له الاخلاس و الاستعداد لمقاتلة المحتل الفرنسي 

عينه الامير عبدالقدر الجزائري سيكرتيره الخاص و ساعده على الزواج من امرأة مسلمة و كان من المقربين من الامير 

علم والد روش بالتحاق ابنه بجيش عبدالقادر الجزائري فتوسل له ان يستعيد ابنه، الا ان الامير عبدالقادر رفض لحبه لروش 

طلب الامير عبدالقادر من روش ان ينضم الى احدى المعارك ضد الفرنسيين، الا ان روش رفض الانضمام مما اثار غضب الامير 

قال له الامير: جزاؤك في الاسلام جزاء المرتدين، الا اني اترك عقابك لله. امر الامير عبدالقادر ان يغادر روش المعسكر 

هرب روش من المعسكر بعد ان كاد ان يقتل من قبل اتباع الامير عبدالقادر ظنا منهم انه جاسوس 

عاد روش الى فرنسا و ابلغ حكومته ان كان يتظاهر بالاسلام ليتجسس على الامير عبدالقادر و جماعته الجهادية لصالح حكومة الاستعمار 

احتاج لبعض الوقت الى ان تغير الحاكم الفرنسي ليمسح عنه في اعين الفرنسيين صلته الحميمة بالامير عبدالقادر الجزائري

عاد للجزائر بعد ان تم تعيينه مترجما اول في الادارة الفرنسية 

طلبت الحكومة الفرنسية من بعض مشايخ الطرق في الجزائر اصدار فتوى يجيز بقاء المسلمين تحت الكم الفرنسي و التوقف عن الجهاد

حجتهم انه طالما ان السلطلت الفرنسية تسمح لهم باقامة الشعائر الدينية، فلا داعي للمقاومة 

كلف الحاكم الفرنسي ليون روش بحمل الفتوى الى علماء تونس و ليبيا و مصر والحجاز للمصادقة عليها 

الفتوى هي: تجويز عيش المسلمين تحت حكم النصارى و انه لا يترتب على احتلال النصارى لبلادهم جهاد ولا مقاومة 

غادر روش الجزائر الى القيروان و عرض عليهم الفتوى، و احالوه الى علماء مصر في الازهر

عرش روش الفتوى على علماء برقة في ليبيا، فاحالوه بدورهم الى علماء الازهر

تصادق روش مع جزائري يدعى سيدي الحاج، والذي كان متوجها للحج مع زوجته و اربع من عبيده، واتفق معه ان يرافقه و يتقاسم التكاليف

سافر الى القاهرة و عرض عليهم الفتوى و طالبهم بالمصادقة عليها، فأحالوه الى علماء الحجاز في مكة حيث يجتمع علماء المسلمين فترة الحج

خلال تواجده في مصر، تعرف على محمد علي باشا و تبادل معه الاحاديث حول شدة المقاومة في الجزائر و اسباب صمودهم 

ايد محمد علي باشا مقاومة الجزائرين ضد المستعمر الفرنسي، و سجل روش انطابعاته عن قسوة محمد علي باشا بعد مذبحة المماليك في القلعه

تظاهم روش انه مسلم و اتخذ اسم الحاج عمر، و تظاهر بسعيه لتحسين وضع الحجاج الجزائريين 

رأى روش اكثر من ٢٠٠ حاج جزائري يتكدسون في السفينة المغادرة الى جدة رغم انها لا تستطيع حمل الا ربع هذا العدد 

اتفق مع مقوم رحلات في القاهرة ان يزوده ب ١٢ جمل و عبيد و حراس و ذلك للسفر الى ينبع 

وصل روش الى ينبع و صادف بعد وصوله وصول سفينة تحمل حجاج جزائريين ووصف معاناتهم في السفينة 

كانوا لا يأكلون الا البسكويت الجاف ولا يوجد معهم ماء الا ما ينجيهم من الموت عطشا، ومن يموت يرمى في البحر 

اتفق مع متعهد رحلات للذهاب الى المدينة المنورة، وفيها لبس روش لبس التقوى وكان يردد الادعية الدينية 

اعجب روش ببناء المسجد النبوي و اعمدته وما عليها من كتابات عربية و رسومات، غادر روش بعد ثلاثة ايام الى مكة ووصل بعد تسعه ايام

لبس روش الاحرام و طاف ببيت الله الحرام وشرب من ماء زمزم، ووصف الحجاج الذين يلتصقون بجدار الكعبة يبكون و يدعون 

سجل روش اعجابه بمشهد الطائفين حول الكعبة في الليل تحت اضواء الفوانيس وهم يرددون بصوت عالي الادعية و الايات القرآنية 

كما لاحظ روش اصوات ضحكات الرجال و النساء و الاطفال المجتمعين في صحن الكعبة، كان الاطفال يلعبون و النساء يطبخن 

اتجه روش الى الكعبة محاولا الدخول اليها، و انتظر ثلاث ساعات حتى تحقق ذلك

قال روش: كان عليك ان تدفع للاغوات عند كل خطوة تخطوها للكعبة، تدفع عند الدرج، و انت داخل، و انت خارج و انت تقبل باب الكعبة 

ارسل روش خطاب توصيه كان قد حصل عليه من احد اصدقاء شريف مكة اليه، و التقى به في الطائف حيث كان يتواجد 

تحدث روش مع الشريف في امور السياسة و امور الحجاج الجزائرين ووعده الشريف بالسعي لدى السلطات التركية لتحسين اوضاعهم

اشتكى الشريف لروش تدني اعداد الحجاج القادمين التي كانت تصل لمآت الآلاف في ست قوافل، ولم يأت منهم تلك السنة الا ٥٠ الفا

شكا الشريف اليه ايضا انه استعان بالاتراك ضد (الوهابيين)، فتحول الاتراك الى استبداديين

صادف وجوده في الطائف وجود علماء من مكة و المدينة و دمشق و بغداد، وعرض عليهم فتوى تجيز الاحتلال الفرنسي للجزائر

دار بينهم جدال عنيف و بين مؤيد و معارض، كتبت الفتوى و ختمت و سلمت الى روش 

عاد روش الى مكة ليجدها قد ازدحمت بالحجاج من كل بقاع الارض على اختلاف اجناسهم، و الوانهم و السنتهم 

جاء موسم الحج و انتقالهم الى عرفة و انضم روش لقافلة الحجاج الى ان وصلت القافلة الى عرفة

في الليل تداخلت اصوات المتعبدين باصوات اصوات المقاهي و اصوات فرح و طبول و رغاء ٢٠ الف جمل، مما شكل سمفونية موسيقية

في صباح يوم عرفة بينما كان روش يتفقد مخيمه، حدث حادث لن ينساه طوال عمره 

جاء روش وجها لوجه مع حجاج جزائريين ممن تعرفوا عليه باعتباره مترجما للسلطات الفرنسية في الجزائر 

كان روش مسؤولا و سببا في الحكم عليهم بالسجن في سجون سلطات الاستعمار، و تجمدت الدماء في عروقه 

قال روش فيها: شعرت انني اطأ افعى سامة خاصة انني لم اوثق اسلامي و تخلي عن المسيحية 

مضى روش ليكمل وضوءه خارج الخيمة استعدادا للصلاة، وذهب الى حيث يقف الخطيب ووراءة شريف مكة و بعض الحرس 

فجأة، ارتفع صوت: "مسيحي .. مسيحي .. اقبضوا على المسيحي، العاق ابن العاق" و عرف روش وقتها انه هو المقصود 

وسط هذه التوترات، شق ستة من الجنود الاقوياء الزحام "وقبضوا على الكافر" و رفعوا به فوق احد الجمال واسرعوا به خارجين من عرفات

شك روش بانه ميت لا محاله، لكن الجنود انقذوا حياته، كان الشريف يتابع تحركاته في الحج، وكان القبض عليه سببا في نجاته 

بعد ساعة من الهرولة، اطلق الجنود سراحه وقدموا له طعاما، وحكى له الجنود القصة، حيث ذهب الحجاج الجزائريين الى القاضي

و اشتكوا من وجود مسيحي في عرفات، نقل القاضي القصة الى شريف بكة الذي اظهر غضبا ظاهريا ووجه جنوده بالقبض عليه و انقاذه 

ونظرا لسعة صعيد عرفة فقد بحث عنه الجنود طوال اليوم بلا جدوى، ولما سمعوا صوت الصراخ "مسيحي" ظهروا بين الجموع لانقاذه

كان لابد من ان يغادر روش مكة، فجد الجمال في السير حتى وصلوا الى جدة في سبع ساعات وفي نفس المساء غادر الى مصر

في مصر ارسل رسالة الى الحاكم الفرنسي في الجزائر يبلغه بما حصل و ارفق معها استقالته من منصبه كمترجم 

شك محمد علي باشا بنوايا روش بعد علمه بامر الفتوى فارسل من يراقب خطواته و اتصالاته بل و حتى حمايته 

غادر روش الى فرنسا وفيها انتابه الندم على تجسسه، فدخل في الرهبنة في روما عام ١٨٤٢ و ذلك للتكفير عن خطيئته 

رفض الفرنسيون استقالته و قام السفير في روما بجهود جبارة لاقناعه بالعودة للجزائر 

تفاجأ روش بعد عودته ان يرى ملابسه و اسلحته و كتبه و مذكراته التي كتبها عن رحلته والتي تركها في مكة، موجودة في الجزائر 

فقد احضر رفيقه سيدي الحاج معه من مكة الى الجزائر و اودعها لدى الحكومة الفرنسية في الجزائر 

انضم روش للقوات الفرنسية في حربها ضد المجاهدين الجزائريين و كان له دور في صياغة اتفاق العهد في تونس عام ١٨٦٠ 

هذه الاتفاقية فرضت على تونس حماية لرعايا الاجانب في تونس مع بعض الامتيازات، ولاحقا ساهمت في استعمار تونس من قبل فرنسا

اسهمت الفتوى التي حصل عليها روش في التاثير سلبا على المقاومة الجزائرية، و انتهت المقاومة بالقبض على المجاهد عبدالقادر الجزائري 

سجن عبدالقادر الجزائري في فرنسا و اطلق سراحه لاحقا عام ١٨٥٢ و حرم عليه العودة للجزائر، وعاش لاجئا في اسطنبول و دمشق

المراسلات بين روش و عبدالقادر الجزائري استمرت حتى عام ١٨٨٣ 

تولى روش عدد من المناصب الادارية في طرابلس و تونس و اليابان بعد انتهاء الحرب الفرنسية في الجزائر، و بعدها احيل للتقاعد

كتب روش في ملاحظاته اثناء وجوده في مكة ان النساء لا يطفن الكعبة الا ليلا، و المسافرون لا يسافرون الا ليلا خوفا من قطاع الطرق

وصف ايضا شريف مكة بانه صديق و متسامح ولكنه مشغول بشأن العالم وانه يمكن ان يكون حليفا لفرنسا 

اما عبدالقادر الجزائري فقال فيه انه رجل مخلص في ايمانه، ولو قدر له ان يحكم مكة لناصر الدعوة محمد ابن عبدالوهاب الاصلاحية 

ولدافع ايضا عبدالقادر الجزائري عن امراء آل سعود ولاحبط حملة محمد علي باشا على الحجاز لاعادتها الى الهيمنة العثمانية 

بقي ان نعرف ان مهمة روش في تهيئة الرأي الفقهي في مقاومة المستعمر نجحت … انتهى 

No comments:

Post a Comment