Tuesday, October 14, 2014

رحلات محرمة - رحلة و مغامرة جيوفاني فيناتيي


رحلة و مغامرة جيوفاني فيناتيي

استمتعت كثيرا بقراءة رحلة و مغامرات الايطالي الرحالة جيوفاني فيناتيي، هي طويلة بعض الشيء ارجوا ان يتسع بالكم ووقتكم لقراءتها 

قبل الاسترسال في الرحلة استاذن في هذه التغريدات التالية ذكرها والتي ستكون مقدمة لهذه الرحلة 

كتب الدكتور عبدالله الصالح العثيمين: (الوهابية) صفة يطلقها كثير من الدارسين على اتباع الشيخ محمد ابن عبدالوهاب 

وتطلق على الذين لبوا دعوته و انضموا الى الدولة التي قامت عل» أساسها في وسط الجزيرة العربية 

واستخدم المعارضون لهذه الدعوة التسمية بهدف التنفير منهم و صرفهم على تأييد الدولة التي قامت نتيجة لها 

انصار الدعوة يرفضون التسمية و يسمون انفسهم (المسلمين) ودعوة امامهم (دين الاسلام) 

غير ان قليل من التابعين لدعوة ابن عبدالوهاب بدأوا في السنوات الاخيرة لا يتحاشون استعمال كلمة (الوهابية) في كتاباتهم 

الرحالة فيناتيي كان يشير في مذكراته الى (الوهابيين) وهو يفصل معاركهم مع جيش محمد علي باشا في سرد شيق و ممتع 

ولم يخفي فيناتيي اعجابه بالجيش السعودي الدي استبسل امام جيش محمد علي باشا في كل المعارك 

والان الى تفاصيل رحلة و مغامرة فيناتيي التي فيها و بأمانة وقائعها و نتائجها 

ولد فيناتيي في فيرارا بايطاليا لابوين ميسوري الحال وكان اكبر اخوانه الاربعه، في العاشره من عمره قرر والده ان يكون فيناتيي قسيسا

في الثامنة عشر من عمره شهد فيناتيي سقوط ايطاليا على يد نابليون عام ١٨٠٥، لم تنجح جهود والده في منع تجنيد ابنه في الجيش الفرنسي

اخذ الى ميلانو في معسكر التدريب وفيها تلقى اقسى انواع المعاملة و عذب كثيرا عندما حاول الهرب من المعسكر 

في بودوا على الجبهة العسكرية، تعرف على تجار من البانيا التي كانت تحت الحكم العثماني، رأفوا بحاله وساعدوه على الهرب

دخل فيناتيي الى البانيا وفيها تلقى احسن معاملة على يد الباشا التركي قائد المنطقة الحدودية الذي اتضافه و آواه

عرض الباشا على فيناتيي اعتناق الاسلام فتظاهر بذلك واتخذ اسم محمد، وعمل في منزل ضابط كبير في الحامية الحدودية 

عنده وقع في حب احدى عاملة من اصل جورجي اسمها فاطمة، وشى به العاملون فتغيرت معاملة سيده له 

عندما ظهرت اعراض الحمل على فاطمة، هرب من سيده و استقل سفينة اقلته الى الاسكندرية، ولم ينسى فضل الالبانيين له 

في الاسكندرية اغراه ضابط الباني بالالتحاق بجيش محمد علي باشا ووعد بمساعدته والتحق بفرقة الجند الالبان في الاسكندرية 

قال مندهشا: "اعجبني و ادهشني في الاسكندرية نشاطها و تنوع اعراقها من السكان"

رواتب الجند كانت لا تصرف شهريا، بل تصفى للجند كل ستة اشهر او نهاية كل عام 

تعرض فيناتيي لمرض في العين فترك الجيش وذهب للقاهرة. فيها استمتع بجمال النيل و منظر الاهرامات 

قادته الصدف في القاهرة لصديقه الالباني الذي اقنعه مرة اخرى بالانضمام للجيش في حرس محمد علي باشا 

شهد فيناتيي احداث مذبحة القلعة عام ١٨١١ التي قضى فيها الباشا على رؤوس المماليك و نهب منازلهم و شرد عوائلهم ليبقى الحاكم الاوحد

لمدة ستة اشهر كان محمد علي باشا يجمع الحشود في حملته ضد الدولة السعودية في الحجاز و نجد، انضم فيناتيي مع حملة طوسون باشا

تحرك الجيش في اكتوبر عام ١٨١١، وحملتهم ١٨ سفينة الى الى ينبع. لم يكن الابحار مريحا، وكادت الرياح العاتية ان تقلب السفينة 

الملاحة كانت خطرة بسبب المياه الضحلة و الصخور، وكان هناك بحار يجلس في مقدمة السفينة ينبه البحارة للاخطار 

لضمان نجاح الحملة، كان لابد من السيطرة على ميناء ينبع، ولم تنجح في التقدم الا بالهجوم عليها و تهيئة السلالم للقفز على اسوارها

تعرضت ينبع لنكسة بعد وفاة قائد المدفعية مما جعل ينبع مكشوفة، عندها قرر المدافعون التراجع عن ينبع بدلا من الاستسلام 

انسحب المدافعون مع سكان ينبع الى بوابة المدينة، مدينة بدر، وتمكن طوسون من السيطرة على ينبع الخالية من السكان 

واجه طوسون مشكلة في امدادات التموين وبالذات الماء، وكان جيش (الوهابيين) يقوم بكل اشكال المضايقة لجيش طوسون 

حصن طوسون البار التي حفرها حول ينبع بعد جهد شاق لتوفير المياه. في الصيف عانى جيش طوسون من شدة الحرارة

انتشرت الامراض بينهم وزاد من عذابهم انتشار البعوض و العقارب و تعرض معظم جنودها للدغاتها حتى انهم هجروا خيامهم للنوم في العراء

كانت المعركة بين جيش (الوهابيين) وجيش طوسون حامي الوطيس، ومني جيش طوسون بهزيمة نكراء في منطقة وادي الصفراء، بعد بدر

عانا جنود طوسون من العطش شديد حيث لا يعرف الجند اماكن الماء، سادت الفوضى بين جند طوسون وسيطر جنود (الوهابيين) على المعركة

قال فيناتيي عن المعركة: "كانت معجزة ان نجوت من المذبحة مع رفيق آخر بجانبي. عانينا الجوع و العطش و الاعياء .."

تكملة: "كنا نرى نيران المنتصرين على الجبال و الحرائق في معسكرنا. بدرت ورطتنا لا مخرج منها. سرنا في الليل بين الجبال .."

تكلمة: "كنا نزحف عند منتصف الليل كالحيوانات بين الجبال. كنا في وضع ان قطرة الماء اهم من مال الدنيا" 

تذكر فيناتيي مكان بئر على مسافة خمسة اميال، فهرع اليه و شرب منه و مضى الي حيث ترسوا سفن طوسون. 

في الطريق كان يصادف جنود طوسون الجرحى المهزومين متجهين في نفس الطريق

التقى بحفنة من الجنود ملتفين حول بئر يحاولون الشرب منه، احد الجنود لم يتمالك نفسه من العطش فالقى نفسه في البئر واختفى للابد

وصل فيناتيي الى شاطئ البحر و كان منهكا تعبا، استجمع قواه و سبح نحو اكبر السفن الراسية التي يوجد فيها طوسون 

قال فيناتيي: "كنا نرى الخيول عائدة من ارض المعركة تجري نجو البحر فتشرب من الماء المالح حتى الموت"

فرض على الجند الناجين من ارض المعركة شرب كوب واحد من الماء فقط بسبب شح المؤونة و الماء

زار طوسون ينبع و تفقد الخسائر البشرية و اكتشف انه فقد نصف جيشه، معظم الجنود بلا ملابس ولا سلاح حالهم كالفلاحين لا جنود

رأى طوسون ان يتحصن داخل ينبع الى حين وصول التعزيزات من القاهرة 

اصيب فيناتيي بالروماتيزم وطلب العودة للقاهرة للعلاج وكان له ما اراد ووصل الى القاهرة بعد ٤٠ يوما 

تتبع فيناتيي صدى الهزيمة التي لحقت بجيش محمد علي باشا التي ما زادته الا اصرارا على مواصلتها و القضاء على الدولة السعودية 

انضم فيناتيي الى حملة جديدة بقيادة محمد علي باشا نفسه ضد الدولة السعودية وابحرت عام ١٨١٤ الى القنفذة لحصارها 

كانت القنفذة معقل (الوهابيين) الحصين، وكحال باقي المدن لم يكن هناك مصدر طبيعي للمياه، واقرب مصدر يبعد ثلاث ساعات عن المدينة

كانت صهاريج مياه القنفذة ملأى بالمياه ولكن لا سبيل ازيادتها بعد الحصار، وكان (الوهابيون) يعتمدون على صهاريج قلعة القنفذة

كانت التعليمات لتشديد الحصار و اجبارهم على الاستسلام، ولكن (الوهابيون) كان عندهم تخطيط آخر

هاجم (الوهابيون) جنود محمد علي وكان الالتحام شديدا ومات من جنود محمد علي الكثير، وتمكن (الوهابيون) من الانسحاب من القلعة عبر البحر

متحمسا بالانتصار، قرر قائد الفرقة تخصيص ٢٠٠ قرش لمن يحضر اذن او رأس احد الجنود (الوهابيين)، وكان مصمما على ابادتهم 

الجنود الالبان الطامعين بالمال قطعوا آذان و رؤوس بعض السكان طمعا بالمال على اتهم جنود (وهابيين) 

اوكل الى فيناتيي حراسة بئر ماء مع ٤٠٠ جندي، ووردت الانباء ان (الوهابيين) اعادوا ترتيب الصفوف وكانوا على مقربة من البئر 

لم يكن هناك وقت كاف لطلب النجدة فاكتسح الجنود (الوهابيون) و ابادوا ثلاثة ارباع الجنود و نجى منها فيناتيي باعجوبة 

بعد انقطاع مصدر المياه عن القنفذة، هرب جنود محمد علي باشا الى السفن لاستحالة الصمود في القنفذة دون مياه 

عانا فيناتيي مع الجيش المنسحب و فقد حذائه و احرقت الرمال الحارة قدميه حتى لم يعد يقوى على المشي 

وصل فيناتيي الى مشارف القنفذة وكان الوضع سيئا جدا، الجنود يتدافعون للسفن طلبا للنجاة و آخرون يسبحون اليها، سبح فيناتيي للسفينة

توجهت السفينة ببقايا الجيش المهزوم الى الليث انتظارا لتعليمات محمد علي باشا المتواجد في مكة 

كان (الوهابيون) يتناوشون مع جند محمد علي باشا الذي كان في وضع سيء ولا يقوى على المقاومة 

بسبب العطش الشديد، تسرب بعض الجنود هربا من جيش محمد علي باشا، وبدأ فيناتيي التخطيط جديا لوحده في الهرب الى مكة 

كان يجهل الطريق، تجهز بقربة ماء ولم يفكر في عدم معرفة الطريق و الضياع بقدر ما كان يفكر في الهرب من وضعه البائس 

غادر فيناتيي وحيدا في ارض قاحلة، و عانا من العطش و الجوع القاتل، ولم يجد وسيلة للخلاص سوى مواصلة المشي 

عند الفجر لاحب له نار مشتعله، اقترب منها خائفا فإذا بها مجموعة من البدو ممن عانوا من الجنود الاتراك و الالبان خلال الحرب

رغم هذا لم يغب الكرم البدوي حيث اكرموا مثواه وقدموا له ضيافة البادية الكريمة واظهروا العطف نحوه و زودوه بالمؤن 

اوصله البدو الى موقع يبعد اربع ساعات عن مكة، وصل فيناتيي الى مكة متحمسا لرؤيتها منذ زمن بعيد 

لم تكن مكة كبيرة ولا صغيرة ولا جميلة البنيان، ولكن فيها ما يبعث الرهبة. كان وقت وصوله وقت الحج ورأى فيها قوافل الحجاج تصل 

ازدحمت مكة بوصول قوافل الحجاج و جنود محمد علي باشا حتى اضطر الحجاج لنصب الخيام خارج مكة، وشهدت ايضا ارتفاع الاسعار

كالعادة، وصف فيناتيي مكة والمسجد الحرام، والحجر الاسود و بئر زمزم و مقامات المذاهب الاربعة و غيرها 

التقى فيناتيي بمحمد علي باشا و شرح له المعاناة التي لقيها الجنود، استمع اليه محمد علي ولم يكن يعلم بهذه المعاناة 

امره محمد علي بالذهاب الى الطائف حيث يعسكر الجنود و اعطاه ٥٠٠ قرش، وبقي فيها لمدة شهرين دون حوادث تذكر 

صدرت التعليمات لاحقا بالتوجه لتربة حيث يعسكر طوسون مع ٣٠٠٠ جندي استعدادا لمواجهة (الوهابيين) بقيادة غالية ابنة احد شيوخ سبيع

كانت غالية ابنة قبيلة سبيع حققت شهرة قيادية شأنها شأن الابطال وكانت على الدوام تقود المعارك بنفسها 

خسر طوسون العديد من جنده في معركة ضد غالية وكالعادة عانا من شح المياه، فليست هناك آبار الا التي في حوزة (الوهابيين) 

هجم طوسون على جنود غالية في تربة فاوقعت فيه قتلا وانهزم جنده، هجم (الوهابيون) عليهم ولم ينج من جيشهم الا ٥٠٠ مقاتل

قرر محمد علي باشا ان يقود المعارك بنفسه بعد توالي الهزائم لرفع معنويات الجند، ونجح في اجبار غالية على التراجع لداخل نجد

تحرك فيناتيي الى بيشة مع جيش محمد علي باشا وبعد السيطرة عليها قرر التوجه الى القنفذة

كان جيشه في صدام مستمر مع الوهابيين. من القنفذة توجه الى جدة وفيها اعطى جنده النياشين احتفالا بالنصر 

عاد فيناتيي الى تربة لتبديل الفرقة هناك وبعد ثلاثة اشهر عاد مرة اخرى الى جدة 

ما احد من الجند يرغب في التوجه الى جدة لانتشار الاوبئة والامراض فيها، كان يفضل الموت في معركة على ان يموت في جدة 

وصف جدة آنذاك بشبه المهجورة. الشوارع كانت خالية و الجثث ملقاة في الشوارع ولا احد يهتم بدفنها او حتى ازاحتها من الطرقات 

حتى السفن كانت تخشى الاقتراب من جدة. من اصل ٢٨ شخص في فرقة فيناتيي، لم ينج منها الا ثمانية فقط 

اصيب فيناتيي بالوباء مع زملائه ولكنه شفي منها، وبعد ٢٥ يوما غادر جدة على متن سفينة فيها مصابين بالوباء 

كان منظر السفينة مخيفا. لا يرى فيها الا المعاناة. من يمت، ترمى جثته في البحر 

توقفت السفينة عند رأس محمد و نزل منها فيناتيي ورفض العودة اليها. ترك كل ما يملك في تلك السفينة الملعونة كما سماها 

واصل رحلته برا الى الطور، و منها الى سيناء .. وبعدها اكمل مغامراته في آسيا و افريقيا …. 

نكتفي هنا بهذا القدر ولنا عودة معه في رحلة اخرى …… انتهى 

No comments:

Post a Comment