Monday, September 21, 2015

رحلات محرمة - رحلة الدون روتر

رحلة الدون روتر للحج


الدون روتر، شاب انجليزي من محافظات بريطانيا الجنوبية، اظهر منذ صغره شغفا بكتب الرحالة الى الجزيرة العربية

قرأ روتر رحلات بيركهارت و بيرتون و بقية مشاهير الرحالة الى هذه البقعة من العالم

التحق بالجيش البريطاني عند اندعلاع الحرب العالمية الاولى، بعد انتهاء الحرب عاد يستأنف اهتمامه بجزيرة العرب وما كتب عنها

كان يخطط لزيارة مكة ولتأهيل نفسه لهذه المهمة درس العربية وعمل في الملايو - ماليزيا - حيث تستوطن جالية كبيرة من حضرموت

باختلاطه معهم تمكن من اتقان اللغة العربية، عاد منها عام ١٩٢٤ وكان لا يزال في خاطره حلم زيارة مكة المكرمة

توجه روتر الى مصر و اختلط بالمصريين تعايشا و محادثة حتى شعر انه واحد منهم، واتقن شعائر الاسلام

رتب روتر رحلته لمرافقة نور الدين الشرقاوي، وهو شاب من اهل مكة تعرف عليه في القاهرة في رحلته الى الديار المقدسة

لم يبتسم له الحظ حيث توفي الشاب المكي قبيل ايام من موعد الرحلة

في نفس الوقت من مايو عام ١٩٢٥ وقبل ثمانية اشهر كان ابن سعود قد انجز توحيد مكة المكركة و دخلها محرما

انتصر ابن سعود في الصراع مع آخر حكام الاشراف في الحجاز، وعندما وصل روتر الى مكة، كان ابن سعود يحاصر جدة

زاد تصميم روتر على المضي في رحلته رغم الاجواء الغير مواتية حيث كانت كل موانئ الحجاز محاصرة او مهددة بالحصار بسبب الحرب

السفر بحرا الى الحجاز كان محفوفا بالمخاطر، قرر روتر ان يتفادى التوجه مباشرة الى جدة وبدلا منها انطلق في رحلته من السويس

لم تكن عناك سفن بحرية تغادر الى جدة بسبب الحرب بين ابن سعود و شريف مكة، حتى قيل انه لم يحج احد ذلك العام من مصر

قيل له ان بعض الحجاج المغاربة و الجزائريين و الاتراك سيتوجهون الى مصوع و منها الى القنفذة التي كانت تحت سيطرة ابن سعود

غادر روتر عام ١٩٢٥ على متن زورق متجها الى بور سودان ومنها الى مصوع على الشاطئ الغربي من البحر الاحمر، وهي ميناء اريتري

فيها عرف نفسه على انه اصلا من دمشق ولكنه عاش زمنا في في مصر، ورافق الحجاج الحجاج المغاربة و الاتراك الى ميناء بور سودان

عرف روتر من بحارة هناك ان الملك على شريف مكة استسلم للسلطان عبدالعزيز، وهذا الخبر اسعد الحجاج

ابحر الزورق من بور سودان الى ميناء مصوع، وكانت مبانيها بدائية من الطين و الحجر ومتناثرة بلا تنظيم

علم انه هناك حجاجا يستعدون للسفر الى مكة، تعرف روتر على مطوفين وعبر لهم عن رغبته في الحج، قررا ان يصطحباه مقابل ٧ جنيهات

غادر الزورق الميناء و كان قائد الزورق يحمل علما ايطاليا كان سيرفعه لو واجه قوات شريف مكة التي قيل انها في الليث

كان روتر ينام قليلا في النهار ويبقى يقظا طوال الليل، كان اكلهم على متن الزورق اللحم، و قليل من دقيق الذرة

في اليوم الخامس للزورق هبت عاصفة هوجاء تقاذفت الزورق و تحطم الساري وجرف متاع روتر وكان فيه جوازه الانجليزي

في اليوم الثامن، تراءت لربان الزورق الارض و بدأ الركاب بالتلبية، رسى الزورق في القحم في عسير في الاول من ذي الحجة عام ١٣٤٤ للهجرة

كان سكان القحم يسكنون الاعشاش، وكان المسجد هو المبنى الوحيد بالحجارة، استأجر منها جمالا مع بعض رفاقه في الزورق

هنا طلب منه المطوف جنيهين اضافيين نظرا لزيادة تكلفة التنقل من الزورق الى الجمال، ولما اعترض روتر لان ذلك كان يخالف الاتفاق

صرخ فيه المطوف قائلا: ان لم تدفعها سآخذها بالقوة يا كلب، يا يهودي يا نصراني، هنا قرر روتر ترتيب رحلته منفردا

غادر المطوف مع رفاق روتر وبقي هو يوما في القحم، ورافق قافلة تحمل الدخن الى البرك مع تاجرين من مكة

اثنى روتر على كرم سكان البرك فهم ودودون و كرماء جدا، كان حاكمهم آنذاك علي بن عبده وقال له التاجر انهم احسن من قابل في جنوب الجزيرة

تحرك من البرك الى القنفذة وكانت مؤونتة من الارز و الماء و العدس و البصل و التمر و الشاي و السكر

وصل فجرا الى امق، ثم مروا عصرا على انقاض قرية حلى، التي قيل انها حامية عسكرية لابن سعو، ولكنه لم ير احدا فيها

وصلت القافلة الى القنفذة وفيها تعرضت القافلة لاول مرة لتحري رجال الامن السعوديين لمعرفة ما تحمل وجنسية افرادها ووجهتهم

لاحظ احد افراد الامن السعوديين احد افراد القافلة يطفئ سيجارته فقال لخ: اخس! نتن! انت مسلم ولا كافر؟

قدم روتر وصفا للقنفذة ومينائها و مساكنها و سوقها و مساجدها، قيل لروتر ان القنفذة سقطة بالكامل في يد سبعة جنود سعوديين

قام له احد سكان القنفذة انهم ينعمون بالامن و الرخاء تحت سلطان ابن سعود اكثر مما كانوا تحت حكم شريف مكة

قرر روتر التخلف عن القافلة ليستريح يوما في القنفذة وفي اليوم الثاني رحل الى الليث مع قافلة مكيين من ٢٠ شخصا متجهة الى مكة

في الليث تعرف روتر على مطوف عرض عليه خدماته فزوده بتوصية لمطوف آخر في مكة لينزل عنده

غادر روتر الليث و بعد رحلة شاقة وصل الى وادي يلملم ومنها يلبس الحجاج الاحرام، فاخرج روتر احرامه ولبسه وبدأ بالتلبية

واصلت القافلة رحلتها الى مكة، وعندما توقفت القافلة للمبيت خارج مكة، وفي اليوم التالي دخلت القافلة مكة عن طريق زقاق ابي بكر الصديق

قال روتر: كنت ارتجف من البرد باحرامي وكنت نصف جائع وضت علي مدة لم اغتسل وكنت متعبا بعد اسبوعين من السفر

نسي روتر التعب وهو يتجول في شوارع مكة، كان الطريق الترابي يتموج صعودا و هبوطا حتى قاده الطريق الى السوق الصغير

ترجل روتر قرب باب العمره حيث مسكنه، وبعد ان انزل حقائبه، غادرت الجمال و اختفت في الظلام وبقي وحيدا في شوارع مكة لا يعرف احدا

نظر حوله فاذا بالناس نيام على سرر، صاح في اذن احدهم فانتفض واقفا و قدم له كتاب توصية المكي، قفرأه واخذه الى غرفاه المخصصة

ارتمى روتر على السرير، فاتاه رب المنزل بالقهوة مرحبا به وقال له ان اذان الفجر قريب وانهم سيتوجهون للحرم للصلاة و الطواف

وصف روتر لحظات دخوله الحرم من باب العمره ووصف المسجد الحرام و القباب و الاقواس و الاسطوانات

استيقظ روتر من تأملاته على صوت المطوف يقول: انظر، هذا بيت الله المقدس، وكان شعوره مرتفعا وهو يرى الكعبة لاول مرة

اكمل صلاته وطوافه و سعيه وهو يردد الادعية خلف مطوفه وقدم وصفا دقيقا للحجر الاسود و المقام و الملتزم و زمزم

فيما كان الحلاق يقص شعره، كان روتر يتأمل المسعى حيث اصطفت على جنباته حوانيت صغيرة مسقوفة من المروة حتى دار العباس

لم تكن الشوارع مرصوفة وكان الناس يتسوقون من دكاكين المسعى وسط الغبار، وسمع لاحقا ان السلطان عبدالعزيز امر برصفها بالحجارة

تسلح روتر بما يحتاج لاداء الحج من اتقان اللغة و معرفة الشعائر وحرص على ادائها كما يفعل المسلمون وحمل اسم احمد صلاح الدين

مع بدء الحج، استقل مع مطوفه جملا عليه شقدف لحملهما منطلقين من منزلهما قرب باب العمرة

واصل منها الى وادي محسر، ويسمى بوادي النصر، حيث لقي اصحاب الفيل حتفهم بما ارسل الله عليهم من طير ابابيل

من وادي محسر، دخل الى مزدلفة، بعدها وصلوا الى المأزمين الذي يفضي بعد ثلاثة اميال الى صعيد عرفة

وصف روتر ما عليه مدخل صعيد عرفة وجبل الرحمة، وعند الصخرات اسفل الجبل محراب يشير الى موقفه صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع

نقل روتر ما هو شائع من مكان مصلى آدم فوق جبل الرحمة حيث لقنه جبريل عليه السلام الصلوات

وصف ما رآه في سفح جبل الرحمة جموع من فقراء حجاج افريقيا و الهند و الملايو جاؤا يعرضون بضائع صغيرة

جنوب الجبل تقع السوق في خيام متراصة تبيع اللحوم و الخبز و الخضار و اطعمة اخرى، و يمكن رؤية الدخان يباع ايضا

لاحظ روتر ان عدد حجاج نجد فاق عددهم جميع حجاج البلاد الاسلامية، وقدر عدد الواقفين في صعيد عرفات آنذاك ب ٧٠ الفا

لاحظ روتر ايضا عدم وجود مقبرة في عرفات، فمن يموت في عرفات يومها يدفن حيث مات

وصف ايضا نفرة الحجاج بعد مغرب يوم عرفة الى مزدلفة ماري على المأزمين منهم الراكب و الماشي

قال ايضا: "كنت ارى رجال البوليس السعودي يراقبون النفرة و يمنعون تداخل الركاب مع المشاة كما يحمون الحجاج من السراق

في يوم عيد النحر شاعد شخصا يجري ويده قد قطعت و الدم يتدفق منها بعد ان اقامت عليه السلطة السعودية حد السرقة

وصف ايضا توقفه في مزدلفة ليلة العيد حيث استراح و جمع الجمرات لرمي العقبة، وواصل بعد طلوع الشمس الى منى حيث رمى العقبة

لم تكن الايام التي قضاها في مكة مزعجة ولانه اول اوروبي يؤدي الحج والحجاز تحت امره ابن سعود، فقد اتيح له اللقاء به

التقى روتر الملك عبدالعزيز عام ١٩٢٥، حيث استقبله بود و مجاملة ظاهرين، وكان اعجابه بابن سعود و عظمة شخصيته كبيرين

كان عمر الملك عبدالعزيز آنذاك ٤٥ عاما وعندما دخل عليه خيمته لتهنئته بالعيد، كان الملك عبدالعزيز متناسق البنية عملاقا

لم يكن يلبس ملابس مبهرجة، ولم يكن يحمل سلاحا، كان يرتدي فوق ثوبه البسيط مشلحا و غترة صفراء وكوفية من القطن

كانت قدماه عاريتين، فقد خلع حذاءه عند السجاد. كانت تعلوا وجهه ابتسامة انيسة وعلى عينيه نظارة سوداء تقيه وهج الشمس

كان يقف كلما دخل عليه ضيف لتحيته. قال فيه "ان هذا الاسد الذي خاض غمار العديد من المعارك وساد اكثر من نصف الجزيرة العربية ..

.. يقف بثبات يحي مهنئيه ولا يفرق بين امير و عامي من الناس، لا حدود لطموحه، صلبا مع خصومه، وعند النصر هو اكثر انسانية"

بعد ظهر يوم العيد، اكترى روتر حمارا حمله الى مكة لطواف الافاضة ووجد الكعبة و قد اكتست بثوبها الجديد

لم تأتي الكسوة من مصر ذلك العام، بل كساها الملك عبدالعزيز حلة من الوبر من الحسا خيطت بسلوك الذهب من مكة

عاد روتر الى منى للمبيت و اكمال نسك بقية ايام التشريق، وفي اليوم التالي حمل امتعته متوجها ومتعجلا الى مكة

عقد روتر فصلا في كتابه يصف فيه حياة اهل مكة اليومية وفصلا آخر للحديث عن المسجد الحرام و الكعبة المشرفة

كان الدخول الى الكعبة مستحيلا ولما فتح الباب، اخرج مجيديا من لفافة ملابسه و رفعها فوق رأسه

ولما رآه الواقف على الباب مد يده الى روتر وجذبه الى داخل الكعبة، و عرفه داخل الكعبة على مكان سجوده صلى الله عليه و سلم

طلب منه النقود، فاخرج روتر ٥ قروش، ثم تركه الرجل يصلي، وقاده بعدها الى الركن الشامي فاعطاه النقود و صلى ركعتين

رغم ظلام جوف الكعبة، فإن القليل من الضوء القادم من باب الكعبة مكنه من تقديم وصف شامل لما رآه

ابواب الحرم كانت ٢٤ بابا و شرح خصوصية بعض الابواب والى اين يؤدي مخارجها، كما وصف بناء المسجد و مناراته السبعه

وصف ايضا دور الغوات و أئمة الحرم ووعاظه الذين بلغ عددهم اكثر من ١٠٠، اضافة لمائة مدرس و ٥٠ مؤذنا ومئات الكناسين

قدم روتر وصفا لآثار مكة وفي مقدمتها مكان مولد النبي صلى الله عليه وسلم في شعب علي قرب سوق الليل

وايضا مكان مولد السيدة فاطمة الزهراء بنت النبي صلى الله عليه وسلم في زقاق الحجر

كان وجود روتر و كتاباته امتدادا لرحالة اوروبيين قبله ممكن كتبوا عن سيطرة آل سعود على الحجاز واولهم ليبلخ الاسباني

كان لقاء روتر الثاني مع الملك عبدالعزيز في الحميدية التي كانت قاعة استقبال تطل على باب ام هناك في الحرم الشريف

قال فيها: "توقعت ان يخضعني الملك عبدالعزيز لتحقيق كما فعل محمد علي باشا مع الرحالة بوركهارت، لكن الملك عبدالعزيز ..

.. لم يوجه لي سؤالا واحدا، واستنتجت ان سلوكي ارضى من يراقبني" ابلغه محرر احد الجرائد ان الملك سيجلس في الحميدية

توجه روتر الى مجلس الملك وقدم على انه صلاح الدين الانجليزي و اشار الملك عبدالعزيز الى ان يجلس الى جواره في الديوان

استفسر الملك بادب عن صحة روتر ثن بدأ بالحديث عن عيسى عليه السلام و التبي محمد صلى الله عليه وسلم

عرض روتر على الملك نيته الكتابة عن نشاطه، فشكره الملك، ثم وقف الملك و غادر في سيارة تنتظره الى قصر السقاف في الابطح

قام روتر بعدة زيارات لقصر الملك عبدالعزيز، وشهد مبايعة اهل مكة له ملكا على الحجاز في احتفال اقيم جهة باب الصفا 

تعرف روتر على عبدالشكور والذي كان يرافقه في جولاته في مكة وكان في الخمسين من العمر ولم يسافر خارج مكة الا الى الطائف

حتى ان عبدالشكور لم يسافر الى جدة في حياته، ومن المألوف ان المكيين لو يكونوا كثيري الاسفار

وصف روتر الحياة فترة الحج، وعادات السكان و تقاليدهم معتمدا على جديته في الحياة كحياتهم منذ اللحظة الاولى

كانت معاملة المكيين جيدة له وكانوا اكثر لياقة و اكثر كرما في التعامل مقارنة بباقي المدن الاسلامية التي زارها

اكتملت سيادة ان يعود على منطقة المدينة المنورة بعد استسلام حامية المدينة، و استسلمت جدة بعد ذلك باسبوعين

خوج الشريف علي منها مؤذنا بانتهاء حكم الاشراف و اصبح تالطريق الى زيارة المدينة المنورة آمنا، وكان الهدف الثاني لرحلته

قرر روتر ان يقدم زيارة الطائف اولا التي كان يتشوق اليها، فرافق احد رجال عتيبة. ولبس عباءة و غترة و عقالا شانه شأن اهل البادية

وجد روتر الطائف مهجورة تقريبا بسبب الشتاء و بسبب المواجهات بين جيش ابن سعود و الاشراف، و انتهت بهزيمة الاشراف و الانسحاب

في الطائف استمتع باجوائها الرائعة ووديانها الجميلة ثم غادر الطائف بعدها عائدا الى مكة

شهد روتر شهر رمضان في مكة حيث تطلق مدافع جياد طلقات مؤذنة بالسحور وبعدها بساعتين طلقات مؤذنة بالامساك

عادة ما تزدحم مكة بالمعتمرين و الحجاج الذين يصومون في رمضان و يمكثون في مكة الى موسم الحج

تجهز روتر في مكة للسفر الى المدينة في رفقة اثنين لكن الحمى داهمته و اشتد عليه المرض وكان مضيفوه يمرضونه

كرر روتر قراءة آية الكرسي وتهللت اسارير رفاقه الذين يرون انها جواز السفر لعالم الاسلام الداخلي و مفاتين لقلوب المسلمين

لما شفي من الحمى كان الضعف قد دب في جسمه ورغم ذلك اصر على المضي في رحلته فطاف طواف الوداع

خرج روتر من باب الوداع و استقل قافلة مع واحد من كبراء الحج المصري و كان ذلك آخر عهد له في مكة، اغرب مدن العالم

مرت القافلة و القى نظرة على آخر بيوت جرول ثم مر الى سهل الشهداء و منها الى العمرة

عند العشاء وصل الى قبر ام المؤمنين ميمونة رضي الله عنها وقد بني قرب قبرها مسجد،

قال: "رأينا آثار قبة كتانت عند القبر و قد هدمها "الوهابيون" مؤخرا"

استراحوا ليلتهم في الوادي و عاودته الحمى و شعر بضعف قوته بل وشيئا من فقدان الوعي، في الصباح تحسنت حالته و غادرت القافلة

توقفت القافلة قرب بئر في عسفان ثم واصلوا الى خليص وفيها بقيت القافلة الى منتصف اليوم التالي ومنها واصلوا الى القضيمة

واصلت القافلة رحلتها طوال منتصف الليل الى ان وصلوا الى رابغ فجرا، وهي مهمة لان مينائها هو الثاني بعد ميناء جدة

واصلت القافلة طريقها الى وادي الحمرا مارة على مستورةو بئر الشيخ و بئر حصاني، و غادرت القافلة ظهر اليوم التالي

كانت شمس الظهيرة حارا جدا و يزيدها حرا الطريق الصخري و الجبال الذي سارت فيه القافلة

قبيل الفجر، كانت القافلة تسير في واد ضيق و توقفت بعده عند بئر الخلص وكان المكان اسوأ مما واجهه الرحالة

كانت الحرارة خانقة بين تلال صخرية ضخمة، احاطت بالوادي من كل مكان منطقة جرداء بلا اشجار ولا طير ولا حيوان

اجبرت الحرارة الحجاج على التكور داخل شقادف الجمال، وكانت الحرارة كما وصفها روتر لا تحتمل

بعدها غادرت القافلة الى بئر عباس و منها الى بئر درويش، وفيها استقبلهم صبية مرحبين بزوار النبي محمد صلى الله عليه وسلم

كان دخول المدينة عن طريق عروة، وسط ارتفاع الاصوات بالصلاة على النبي محمد صلى الله عليه و سلم، دخلت القافلة من باب العنبرية

استقبلهم المزورون يقود كل منهم ما يخصه من الزوار، ترجل الرحال ومشي على الاقدام الى المناخة الواقعة بين سور المدينة و داخلها

قال روتر: "عندما دخلنا الى المدينة انفجر امامنا منظر القبة الخضراء الجميل حيث اقيمت على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم

مع خيوط الشمس الاولى، شكلت القبة الخضراء و المنارات البيضاء المنتطاولة من جنبات المسجد منظرا جميلا و عظيما

حمل روتر امتعته لدار الزوار و كان موقعها في السوق حيث دخل الى غرفته في الطابق العلوي وقدمت له القهوة والتبريكات بالزيارة

كان وصول روتر للمدينة في شهر ذي القعدة حيث خلت من الحجاج الذين غادروها الى مكة. توضأ ولبس ثوبه وتوجه للمسجد النبوي

دخل روتر المسجد من باب السلام، ابلغه مضيفه ان يضع يده اليمنى على اليسرى فوق صدره وان يدخل بالرجل اليمنى

مشى فوق سجاد فرشت فوق رخام وعلى يمينه جدار من الرخام كتبت عليه آيات قرانية ورسوم جميلة وعلى يساره حاجز نحاسي

بعد تحية المسجد، ردد خلف مضيفه عند المواجهة السلام على النبي صلى الله عليه وسلم ثم عرض وصفا دقيقا للمسجد من الداخل

كان عدد الاسطوانات يومها ٣٢٠ اسطوانة منها ١٦ داخل الروضة

في باحة المسجد الشماليه حديقة صغيرة بها نخلة و شجيرات يقال انها حديقة لفاطمة بنت النبي وبها بئر ماؤه حلو يسمى بئر النبي

تحدث روتر عن محراب النبي و محراب عثمان جهة القبلة ومحراب السليمانية غرب محراب النبي ومحراب التهجد في الجهة الشمالية

عدد روتر الاماكن الاثرية التي تزار ومنها شهداء احد، قبة السبق اسفل جبل سلع، ومسجد قباء

تحدث روتر عما سمع عن ما بداخل الحجرة النبوية وزار البقيع و شهداء احد ثم عقد فصلا وصف فيه طوبوغرافية المدينة المنورة

كان امير المدينة آنذاك ابراهيم سالم بن سبحان، من طرف ابن سعود، وصف حدودها و احيائها وشوارعها وبساتينها وجبالها

جاء على شيء من تاريخها ومصدر مياه الشرب - عين الزرقاء - و كل بيت في المدينة داخله بئر وبجواره حوض للاستحمام

كان امير المدينة ابن سبحان يعاقب مدخني السجائر بسحبة من ذقنه في شوارع المدينة ثم الجلد بالجريد ٥٠ جلدة في المناخة

عرض لبعض العلماء الذين كانوا يلقون دروسا في الحرم النبوي و منهم ابن تركي و احمد طنطاوي 

في شهر ذي الحجة، شاهد تدفق القوافل المتأهبة للسفر الى مكة، اشترى روتر تمرا هدية لاصدقائه في القاهرة

انطلق مع احد القوافل الى باب العنبرية وفيها ودعه مضيفه متمنيا له العودة سالما الى بلاده

صلى روتر المغرب في عروة و منها انطلق الى بئر درويش ووصلها بعد ١٦ ساعة من السير المتواصل

توجهت القافلة الى وادي الصفرا و منها الى قلعة الحمرا فبئر سعد وبعد ساعتينو ،صلت القافلة الى جبال رضوى

بعد سفر شاق، تراءى البحر، ومشت القافة بموازاة البحر الى ان وصلت الى ينبع وشرقيه ظهر جبل رضوى شامخا

دخل روتر بوابة ينبع آخر ايام عيد الاضحى و اهل ينبع ما زالوا معيدين بملابسهم الجديدة و يتجمعون في المقاهي و يتسامرون ويدخنون

كان حاكم ينبع بعيدا عن التعصب وان من عادة علية القوم تدخين الشيشة، بعضهم يستأجر خادما يحمل له الشيشة اينما ذهب

وبعد ان سكن في فندق صغير مطل على الميناء، بدأ يبحث عن احد معارفه في ينبع اسمه ابراهيم ادهم، وهو سوري يعمل خادما في الحكومة

فرح ابراهيم للقاءه و ساعده في الحصول على جواز سفر بدل الذي ضاع،

في اليوم التالي رست السفينة "المنصورة" وهي من سفن البريد الخديوية المصرية وكانت مسافرة الى بور سودان

صعد اليها في وجهته للخرطوم ومنها الى القاهرة. واول ما قام بعمله هو حلق لحيته و لبس ملابسه الاوروبية

قال روتر: " لاول مرة منذ مدة طويلة اكل طعامي بالشوكة و السكين، بعدها عدت الى قمرتي لالقي آخر نظرة على اراضي الجزيرة العربية .. انتهى

Friday, September 4, 2015

رحلات محرمة - الكونتيسة مالميجناتي

الكونتيسة مالميجناتي

عاشت الرحالة الكونتيسة مالميجناتي  في دمشق تتهيأ لرحلتها داخل الجزيرة العربية، استأجرت بيتا بعيدا عن القسم الاوروبي

كان هدفها دراسة الجزيرة العربية و عادات العرب حاضرة و بادية، اتفقت مع مالكة الدار المستأجرة ان تعد لها الطعام

قالت مالميجناتي: "كان يزعجني القبقاب الذي يصدر صوتا مزعجا وهي تتنقل داخل المنزل طوال اليوم و اقتصر طعامي على الارز و البيض

من وسط دمشق كانت ترصد ما تراه بين الحضو ر البدو. من الغريب ان سكان دمشق كانت تربطهم بعض روابط القربى

كانت ترصد عادات الناس في ملابسهم وفي لباسهم الفاخر وهم يحضرون المناسبات، وفي احيائها و تعاملاتهم في اسواقها الثلاث

كل ما كانت تراه في دمشق جميل و يشجعها للسير بلا كلل او ملل مرتدية الملابس العربية

لا احد يتعرض لها في شوارع دمشق باي نوع من المضايقة، كانت ترصد النساء متغطيات لاخمض اقدامهن يتنقلن على الحمير

رصدت مالميجناتي انتضار السمنة بين النساء، فهم يرون في السمنة اساسا من اساسيات الجمال

تنقلت مالميجناتي بين ضواحي دمشق وخاصة الى دوما والتي تخللها افرع نهر بردى الخميس وكان المكان مفضلا لخرجات السوريين

ذكر لها ان القرويين خارج دمشق اخطر من البدو و ان بعض الاوروبيين تعرضوا للاحتجاز و سوء المعاملة في طريقهم الى تدمر

تعرضت مالميجناتي لمثل هذا عندما كانت في طريقها الى تدمر ولم ينقذها منهم الا طلقات مسدسها، تفرقوا عنها وعادت الى دمشق بسرعة

استعدادا لرحلتها الى الجزيرة العربية، عرض عليها بائع الجمال محمد البسام مرافقتها في الرحلة، و اتفقت معه على زيارة تدمر اولا

قالت مالميجناتي: "سرني ان وجدته مسنا و محترما من البدو وكنت ارغب ان اغريه لمرافقتي في رحلتي الى الربع الخالي"

قالت ايضا: "كنت اتسائل مالذي يغريني في الصحراء و كنت اجيب ان هناك مدنا مدفونة تحتها وهناك اطلال و نقوش اثرية قديمة"

اتفقت مع الباسم ان يشتري لها ثمانية جمال لنقلها الى تدمر، اشترتها ب ١٢ جنيها للجمل الواحد، 

اقترح عليها البسان ركوب الفرس لان اهل البادية يقدرون من يأتيهم على فرس

توجهت مالميجناتي الى سوق دمشق لشراء لوازم الرحلة من خيام و تموين و اداوات طبخ و قهوة و بنادق

خشيت مالميجناتي ان لا يسمح لها والي دمشق برحلتها الصحراوية اذا علم بها، لذا قررت اخفاء نواياها

كان الانطلاق عام ١٩٢٥ الى ادرا على حافة الصحراء السورية، غادرت وحدها كما لو كانت تريد القيام بنزهة، وكانت قد ارسلت متاعهاقبلها

عرض عليها الدكتور خليل - وهو طبيب متعلم من الجامعة الامريكية - مرافقتها، ورتبت احتياجاتها المالية ومع ما اخذت من نقد

دخل شهر رمضان ورأت تدفق الحجاج في طريقهم للالتحاق بالركب الشامي بعد عيد الفطر،

وصلت مالميجناتي الى ادرا و كانت في ضيافة صديق البسام و تعرفت اكثر على حياة نسوة البدو ممن التقت بهم و شاركتهم احتفالاتهم

على مقربة من خيمتها كانت ترى حركة دائبة في مخيم لبدو قبيلة الرولة و ارسلت لشيخ مضارب الرولة تستأذنه في زيارة مخيمه

توجهت مالميجناتي مع مرافيقيها و استقبلها الامير سلطان الطيار امير قبيلة الرولة في خيمته 

دار حديث حول الخيول و بعض الغزوات و طرحت على مالميجناتي اسألة عن اوروبا و دعاها الامير للعشاء و ذبحت الذبائح

شويت الذبائح امام الخيمة و قدمت مع القرصان، بعدها نظم الامير رقصة و اضيئت الشموع حول الخيام

قرع طبالان بطبليهما و خطت نسوة يحملن السوف و يرقصن ببطء و يحركن سيوفهن يتبعهن الطبالين و هن يقفزن و يرقصن

قالت مالميجناتي ان لو قدمن عرضا كهذا في اوروبا لكسبان منه كثيرا من المال،

بعد ثلاث ساعات من الرقص انصرفن و جاء مكانهن جديدات يواصلن الرقص، وبعد انتهاء الرقص دعا الراقصات لمشاركتنا العشاء

قضت مالميجناتي اربعة ايام بجوار مخيم الرولة و كانت محل حفاوة و احترام و تكريم و كان الجميع ينادونها بالاميرة

ختمت ايامها بجوار مخيم الرولة بحفل تكريم اقامته للامير و قدمت خلاله هداياها، انتقل بعدها الرولة متجهين الى صحراء الحماد

عرض عليها الامير سلطان البقاء معهم و اعطى اوامر بتلبية جميع احتياجاتها، احست معهم مالميجناتي بانها وسط اهلها

رأت في حياة البداوة البساطة، ما انظفهم من اناس فخورون و اقوياءو قلوبهم برقة قلوب الاطفال ولا يعرفون الغلو في الدين

شدت الرحال مع قافلة الرولة الى ان وصلت الى الحدود الشمالية لصحراء الحماد الكبرى، ووصفت كيف تضرب الخيام و عمل النسوة

النساء يحلبن و يستخرجن الزبدة و يعملن الطعام و يقتصر عمل الرجال على عجن الدقيق و يقضون باقي الوقت في التدخين و الاحاديث

دخلت القافلة الصحراء عند آبار امبحارة من منازل الرولة وكانت المراعي ما تزال خصبة ولكنهم كلما توجهوا جنوبا يزيد الجفاف

كانت الخصومات تعرض على امير الرولة و يفصل بينهم، كانت تصله اخبار الحروب بين البدو او بين البدو و الاتراك

بعد يومين من الراحة واصلت القافلة رحلتها في الصحراء حيث الفضاء اللانهائي ولا شيء حي في الصحراء التي تبدوا بلا نهاية

كانت القافلة تقطع ٦٠ ميلا يوميا، كانت الصحراء رتيبة مملة الا انها كانت كالبحر دائمة التبدل

شهدت مالميجناتي غزوة قبيلة الرولة لاحد خصومها، و تلا نهاية المعركة حفل عشاء فخم قدم فيه اطباق الدجاج و اللحوم المشوية

 عطرهم الامير من مرش حمله اليه احد خدمه ثم تلا ذلك القهوة فالنرجيلة التي تناوبوا في تدخينها، ثم بعد ذلك رقص الرجال و النساء

علم الامير بقدوم شاعر لا يعرف من اين اتى فاستقبله بفرح عظيم حيث نظم الشاعر تفاصيل الغزوة و امتدح شجاعة الامير في المعركة

طويت بعد ذلك الخيام واستأنفت القافلة سيرها في الصحراء و كان الحر شديدا، وطوال خمسة ايام لم تعثر القافلة على بئر ماء

مضت سبعة ايام على الجمال بدون شرب، تدريجيا بدأت تظهر الحشائش على الارض وبدأت معالم طرق القوافل تظهر

التقى الامير بعائلة من الصلبة قصوا على الامير بعض اخبار الاقتتال في الداخل ثم توقفت القافلة بجوار مخيم لقبيلة الشرارات

ذهبت مالميجناتي مع الامير لزيارة شيخ قبيلة الشرارات، فاجأهم وجودها ولم يميزوا ان كانت رجلا ام امراة

واصلت القافلة الى وادي المستاري و سمعوا هناك عن اخبار اقتتال في حائل. كانت وجهة الامير سلطان الى مدينة الزلفي في نجد

مضت على بدء رحلة مالميجناتي شهرين قطعت خلالها ٩٠٠ ميل وبقي امامها نفس المسافة للوصول الى الربع الخالي

في الطريق شهدت حفل زفاف اقيم في الصحراء ووصفته بالمثير برقصاته و استعراضات خيله و اطلاق النار فيه وموائده

واصلت القافلة في الصباح سيرها في اتجاه الجنوب الشرقي غبر صحراء الظلمة او الدلمة و منها وصلوا الى الزلفي

كانت مباني الزلفي من الطين الجاف، نصبت القافلة مخيمها خارج المدينة و خرج اليهم وجهاء الزلفي و تجارها لتبادل السلع

كان المكان غير جذاب، القرية متسخة و اشجار النخيل فيها يعلوها الغبار ونظرات السكان لهم غير ودية تختلف عن نظرات البدو الذين عرفتهم

لما عرف اهل الزلفي بوجود مالميجناتي تكهرب الجو و توتر وجاء والي المدينة ومعه جموع من المواطنين للامير سلطان ودار نقاش حاد

علت الاصوات بينهم و ميزت مالميجناتي تكرار كلمة (رومي) وعرفت انهم يعترضون عليها قطع خطوة في اتجاه الجنوب

هدد اهالي الزلفي ان لم يمنع الامير سلطان مالميجناتي فسينضمون الى خصومه في حربهم ضده بهدف قتلها

تقرر بعد مداولات ان تغادر مالميجناتي مع قافلة صغيرة الى الدهناء و تلتقي مع الامير سلطان بعد سبعة ايام في الصفاة

تظاهرت مالميجناتي للزلفيين انها مريضة ولا تستطيع السفر. زودها الامير سلطان ببعيره وراحلته ورافقها البسام و خليل وبعض الحرس

رافقها حرس الامير لمسافة يومين لتطمينها وتاكيد خروجها من منطقة الخطر. و غادرت مالميجناتي عند منتصف الليل

توقفت القافلة فجرا لتناول القهوة و الطعام و افزعها رؤية الزلفي في الافق، وشعرت انها لا تزال في خطر

في ليلة سفرها وعند الفجر، افتقد البسام الخادم المرافق لها، وصح تخمينه فقد عاد ليلا الى الزلفي ليخبرهم بمغادرة الرحالة

لحق بها رجال من الزلفي ليعيدوها الى المدينة، تبين لها لاحقا سر غضبهم وتبين ان ما اثار السكان بعض ما نقله البدو في قافلتها

حيث زعموا انها كانت تعد لاجتياز الصحراء وجمع الذهب منها وتجييش جيش لغزوهم

 اعيدت مالميجناتي للزلفي ثم جهزوا لها قافلة رافقتها لضمان عودتها عن الزلفي آمنة

مرت مالميجناتي على بريدة حيث رميت بالحجارة عندما عرفوا انها مسيحية، و حرص الحرس معها على ان لا يصيبها مكروه

اخذوها لمنزل والي بريدة حيث سمح لها مواصلة السفر صباحا، وفي الصباح ودعها السكان كما استقبلوها بالحجارة

رافقها شيخ الزلفي الى الرس حيث هدد ان كل من يشيع انها مسيحية باشد العقاب و سلمها الى شيخ الرس

وصفت مالميجناتي معاملة شيخ الرس لها بالوقحة، حيث اخدت الى غرفة مظلمة قضت فيها ليلتها تتصارع مع الفئران

جائها في الصباح من يبلغها ان الحاكم امر بقتلها حال وصولها الى دمشق

في الصباح ابلغت انها ستغادر الى الحناكية بدون رفيقيها البسام و خليل على ان يرافقها شيخ الرس و حراسة مشددة

وصفت معاملتها خلال الرحلة بالقاسية فكانوا لا يسقونها ولا يطعمونها الا من فضلة ما يأكلون ويشربون، وكانت تتجاهل وقاحتهم

دخل موكبها وادي جرير حيث وجدت في بئرها قافلتها الصغيرة ومرافقيها البسام و خليل

رغم منعهما من الاقتراب الا انها نجحت في الحديث اليهم و ناشدتهم ان لا يبتعدا عنها كثيرا، وبعد اللقاء، تغيرت المعاملة للاحسن

لحق بها البسام عند مخيم لقبيلة العمارات من عنزه وصادف وجود معارف للبسام بينهم فحضروا اليها و قدموا لها قهوة و دجاجا و دقيقا

واصلت سيرها مع حراسها وفي الطريق اعمتهم رياح الخماسين التي امتزجت رمالها باسراب الجراد

كان من الصعوبة المضي قدما و الانسان يحمي وجهه و جسمه من الرمال و الرياح العاتية، وخفت المعاناة بعد اختفاء اسراب الجراد

توقفت في قرية المروية حيث استضافهما والي القرية فنامت لاول مرة على حصيرة ووسادة وتمنت ان لو طال مقامها في القرية

في الصباح واصلت رحلتها فصادفت قافلة للحجاج الفرس عائدين من مكة المكرمة وباتوا ليلتهم في العراء

وصلت القافلة الى الحناكية مغرب اليوم التالي وكان عدد سكانها آنذاك ٣٠٠٠ ولم يكن فيها نخيل

ما ان وصلوا حتى احاط بهم فتية من اهلها رافعين ايديهم يطلبون البخشيش، كان والي الحناكية خارجها في مهمة 

نصبت خيامهم خارج الحناكية ولم يسمح لهم بدخول قلعة المدينة الا باذنه، اصيبت مالميجناتي بخيبة امل

اخذت مالميجناتي لدار الحكومة و اخذت معلومات عنها و ارسلت الى غرفة قذرة لتقضي فيها ليلتها التي كانت الاسوأ في حياتها

قضت مالميجناتي الليل باكمله تتصارع مع الفئران و الخنافس و الصراصير و النمل، وفي الصباح كانت الغرفة مليئة بقتلى الحشرات

في الصباح غادرت مالميجناتي مع حراس جدد الحناكية و كانوا الطف في تعاملهم معها، حيث كانوا يدللونها و يقدمون لها الطعام اولا

وبعد مسيرة لبعض الوقت تغيرت الارض و ظهرت الازهار و غطت التلال، وتأخر السفر بعد المغرب لان رئيس الحرش اشرف في تدخين الحشيش

قضت ليلة اخرى في الواحة الهادئة تتناول عشائها دون مضايقة

في الليلة التالية و بينما كان احد الحرس يحضر الطعام قفز فجأة يبكي و يضحك في آن واحد ولكا سأالت مالميجناتي عن السبب ..

قيل لها ان العنكبوتة الذئبية قرصته وان علاجه بضرب الدفوف و الرقص حالا، استخدمت العصا للنقر على العلب و التصفيق

قام المريض بالقص بعنف حتى يعرق فيسيل السم مع العرق، فرقص حتى سقط ولكنه نجا من الموت، وتم قتل العنكبوتة بعد البحث عنها

وصلت مالميجناتي الى المدينة المنورة فدخلتها من باب الشام وكان عليها لبس لباس المسلمين قبل دخولها

ولشدة سرورها وجدت رفيقيها البسام و خليل حيث رتبا نزولها عند احد الوجهاء وودعت حراسها الذين لم يعترضوا انضمامها لرفيقيها

تجولت مالميجناتي في شوارع المدينة و كان خليل يقدمها على انها ابنة عمه

انتهت معاناة السفر لتبدأ معها معاناة الحمى حيث طرحتها في الفراش سبعة ايام، كان جسمها يؤلمها كما لو انها حصبت بحصاة

رغم مرضها كانت تخرج لتراقب جموع الحجاج من الصين و فارس و اليابان و الهند ومصر وبقية الاراضي العربية

زارت مالميجناتي مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم وقدمت وصفا دقيقا لما رأته في المسجد

مدخل الحرم النبوي من باب السلام و يحيط بالقبر الشريف سياج النحاس الجميل ووسط ساحتها بئر يقال له بئر النبي

كانت هناك ايضا نخلة يقال ان فاطمة الزهراء غرستها، وكانت شوارع المدينة حيوية بحركة الزوار العائدين من الحج

في انطباعاتها عن العرب قالت: كم هي بسيطة حياتهم، نظيفة معيشتهم آمالهم رفيعة وقوية مثل وجوههم قلوبهم طيبة كقلوب الاطفال

بعد الراحة، ابلغت خليل رغبتها في العودة الى دمشق ولحسن الحظ كان القطار سيتحرك خلال يومين ولم يكن هناك مسافرون كثيرون

استمتعت بقمرة كاملة لوحدها الا ان الحمى داهمتها ثانية وكانت حركة القطار تعذبها كثيرا

وصلت مالميجناتي اخيرا الى دمشق و كتبت: اكانت الاشهر الثلاث الاخيرة حلما، لو كنت فشلت او انهزمت لما حصلت على ثمرة المغامرة

سيبقى الربع الخالي هو هدفي القادم ……… انتهى