Sunday, October 26, 2014

رحلات محرمة - الرحالة جورج فالين


جورج فالين

ولد الرحالة جورج اغسطس فالين في فلندا عام ١٨١١، ودرس في مدرسة كنيسة ثم اكمل تعليمه الجامعي في جامعة هلسنكي 

درس اللغات الفرنسية، و الروسية، و الانجليزية، و الالمانية، و السويدية، و العربية و الفارسية و التركية، وفي عام ١٨٣٦، اتقن فالين ٩ لغات

عمل محاضرا في الجامعة و بعد وفاة والده عام ١٨٣٧، غادر الى روسيا ليدرس في معهد الاستشراق 

في روسيا تعرف على محمد عياد المصري الذي كان يدرس اللغة العربية، ومنه تعرف على تعاليم الاسلام 

عرض فالين على جامعته بهلسنكي القيام برحلة الى مصر و الجزيرة العربية بهدف الرفع من شأن جامعته في خدمة العلم 

وافقت الجامعة عى مشروعه، وقيل ان من المهام الموكلة اليه عندما كان في القاهرة، جمع معلومات عن قوة الوهابيين في نجد لصالح محمد علي باشا

تقرب فالين من محمد علي باشا عندما كان في القاهرة، وعرض عليه مسؤول مصري تمويل رحلته الى الجزيرة العربية 

الغرض منها تزويد الحكومة المصرية بتقارير عن الاوضاع السياسية فيها على ان يسافر كتاجر للخيول العربية الاصيلة، ولكن لم تثبت صحة الرواية 

تدرب فالين على الاعمال الطبية والعلاجية ليسافر كطبيب 

سافر فالين الى باريس فدرس المخطوطات العربية في مكتباتها و غادر بعدها الى اسطنبول ثم الى الاسكندرية و القاهرة 

قضى في مصر ٦ سنوات ليعزز معرفته بالاسلام و يحفظ القرآن و تعود على الصلاة و الصوم و اتخذ اسم عبدالولي او ولي الدين 

نصحه احد الفرنسيين ان لا يبدأ رحلته من القاهرة لان الوهابيين يشكون بكل الرعايا و الاصداقاء ومن يأتي عن طريق القاهرة 

قرر فالين ان يبدأ رحلته و ان يعبر الى نجد من شمال الجزيرة العربية و النفود 

توجه فالين الى برا الى عمان عام ١٨٤٥ مرورا بالعقبة، و منها الى الجوف بوابة النفود وقضى فيها ثلاثة اشهر 

توجه بعدها الى حائل و كان يحكمها عبدالله الرشيد وهو رجل يمتاز بشجاعه الشخصية و نشره للفضائل التي تلازم كل شيخ ناجح 

كل شخص يصل الى حائل وليس له اقارب او اصدقاء يسمح له بالاقامة في قصر الامير و يتمتع بالضيافة طوال مدة الاقامة 

وقال فالين عن قبيلة شمر بانهم شعب مغامر جدا مع نزعة طبيعية للتجارة و الحملات الحربية 

كان فالين يريد ان يخترق من حائل الى عمق نجد و الرياض، وبعد شهرين في حائل و بعد نفاذ المال، التحق بقافلة حج من بلاد فارس الى مكة

منذ التحاقه بالقافلة، توقف عن تسجيل ملاحظاته بسبب شعوره بالخطر من القافلة، ولانها لم تتوقف عن السير ابدا، ولا حتى للراحة  

وصلت القافلة من حائل الى المدينة في ٥٨ ساعه، وهو زمن قياسي وكان وقتها قد تعرض للارهاق، وكان معزولا بين حجاج فارس 

افترق فالين عن القافلة المتجهة الى المدينة و توجه الى جدة 

وليست هناك اجابة في انه هل توجه الى مكة مباشرة ام ان المرض اقعده حتى عاد الى القاهرة، ليست هناك اجابة عن هذا السؤال 

في عام ١٨٤٧ تأهب الى رحلة اخرى الى الجزيرة العربية، ووجهته هذه المرة كانت نجد، وفشل بعد ان اكتشف انه مسيحي منتحل للاسلام 

هرب الى بلاد فارس كاد ان يموت فالين في هذه الرحلة مع الجوع لولا ان انقذه بحار بريطاني واوصله الى البصرة و منها الى بغداد

في رحلته الثانية الى الجزيرة العربية عام ١٨٤٨، زار مكة و المدينة عن طريق المويلح على البحر الاحمر 

كانت الرحلة شاقة و مضنية و طويلة وصل فيها الى تبوك، وكتب ان الطريق كان مليئا بالحجارة، وجبال المنطقة تتكون من صخور رملية

زار فالين تيماء، وقال فيها ان سكانها من اتباع الحركة الاصلاحية لمحمد ابن عبدالوهاب، يتبعون المذهب الحنبلي المتشدد 

قضى اسبوعا في تيماء و غادرها الى حائل وجلس فيها شهرا ثم غادر الى بغداد 

سجل فالين في رحلته هذه معلومات لم يسجلها رحالة غربي قبل، وكان اول اوروبي يخترق شمال الجزيرة العربية بكاملها حتى حائل 

لم يكتفي بتسجيل ملاحظات عن الحياة الاقتصادية و الاجتماعية لسكان البادية بل سجل بذكاء معلومات جغرافية هامة و دقيقة

اعتبره الدارسون من اكثر الرحالة الغربيين تجوالا في شمال الجزيرة العربية بعد ان قضى متجولا في البلاد العربية و فارس ٧ سنوات

لم يجد فالين صعوبة في التحدث مع العرب و الانسجام في بيئة البادية وحياة البدو الرحل 

سجل له انه اول اوروبي يصل للجوف، وهو اكبر الرحالة الذين انجبتهم فنلندا عبر العصور ومن اشهر ابنائها على الاطلاق 

عاد الى هلسنكي عام ١٨٥٠ و معه ٣٤ كتابا و ١٩ مخطوطا عربيا، وفيما كان يعد العدة للعودة مرة اخرى، توفي عام ١٨٥٢ عن عمر ٤١ عاما

عندما نشر مذكراته عن مكة و المدينة و الجزيرة العربية ذاع صيته في اوروبا و عرفت اوروبا قيمته و فضله و اعتبرته من الرحالة الرواد

لم يقدم فالين تفصيلا دقيقا عن رحلته لمكة و المدينة التي كانت من اهدافه في رحلاته الاستكشافية في الجزيرة العربية 

عبر المستشرقون عن اسفهم ان لا يسجل فالين معلومات عن مكة و المدينة اليت زارهما مرتين لانه لو فعل لاثرى معلومات الاوروبيين

في رحلته الاولى من حائل للمدينة، لم يعلم الاوروبيون عن وجود طريق مباشر من طرق الحج المعروفة 

بعد تعدد رحلاته للجزيرة العربية ومخالطته للبدو، فكر في العودة مرة ثالثة ليعيش بين البدو لبعض الوقت، الا انه توفي 

عندما عاد فالين لاوروبا، لم يألف الحياة فيها بسبب تعوده و عشقه لحياة البادية، فمرض و اعتلت صحته 

كرمته المراجع العلمية في فرنسا و المانيا، انتخب بروفيسورا لجامعة هلسنكي وقام بالتدريس فيها خير قيام الا ان عشقه للصحراء كان اقوى

كان يتشوق لمغادرة الاجواء الضبابية في بلاده الى الشرق المشمس والى بساطة حياة العربي، الا انه مات بمرض السفلس عام ١٨٥٢ … انتهى 



Tuesday, October 21, 2014

رحلات محرمة - الرحالة تشارلز دوتي


ولد تشالرز دوتي في انجلترا عام ١٨٤٣لعائلة ارستقراطية، كان حلمه ان يكون ضابطا بحريا عندما يكبر، فشل بسبب فشل الفحص الطبي

درس الجيلوجيا ثم الادب الانجليزي القديم، ودرس اللغة الهولندية و الدينماركية و قاك بعدة رحلات لهولندا و فرنسا و ايطاليا في سن ال ٢٨

في عام ١٨٧٤، ادار انتباهه للشرق، وزار الجزائر و سوريا و لبنان وفلسطين و مصر و سيناء 

في طريقه لزيارة البتراء، سمع من البدو عن مكان يقع في طريق الحج اسمه مدائن صالح، وهو مكان غني بالنقوش و الاثار

قرر دوتي زيارة المنطقة رغم معارضة السلطات العثمانية و القنصل البريطاني في دمشق، كان يهدف احضار النقوش لدراستها في بلده 

في دمشق تعلم اللغة العربية و تدرب بدنيا للتكيف مع الصحراء، وكان هدفه زيارة مدائن صالح و دراسة النقوش و الآثار فيها

رافق قافلة للحج متجهة الى المدينة المنورة، و ارتدى زيا نصرانيا، وادعى انه نصراني سوري يدعى خليل 

بعد ثلاثة اسابيع وصل دوتي الى مدائن صالح عام ١٨٧٦، انفصل عن قافلة الحج و مكث في مدائن صالح شهرين يدرس آثارها 

ارسل ما كتبه عن نقوش و آثار مدائن صالح مع مسافر للقنصل البريطاني في دمشق ليتركها عنده كوديعه 

ترك دوتي طريق قافلة الحج و اتجه شرقا مع دليله الى تيماء، وصادف في طريقه اسراب الجراد

عاش دوتي بين البدو ٣ اشهر وحظي بكرم اسرة دليله 

قدمه الى زوجته حرفة وطلب منها اكرام دوتي. ولم تكن زوجته محجبة حسب تقاليد قبائل الشمال 

وصف دوتي كيف يقضي البدو يومهم، فقال "يشربون القهوة في الصباح و يتقاسمون القليل مما يتوفر من الدخان حتى وقت صلاة الظهر ..

.. ثم يعودون لخيامهم لتناول طعام الغداء من تمر و حليب ومن ثم يستريحون مع نسائهم"  

رغم ما ذكره من كرم اسرة دليله، الا انها كانت غاضبة عليه لانه احضر اليها غريبا، الا ان ذلك لم يمنعه من التمتع بكرم الضيافة 

حذره البدو من التجول منفردا بعيدا عن مضاربهم حتى لا يتعرض للاذى، ومع مرور الوقت شعر دوتي بانه واحد منهم 

لم يخفي البدو حيرتهم من وجود دوتي بينهم، هل هو جاسوس؟ ام طريد؟ ان غريب يبحث عن كنز؟ 

كان دوتي يتنقل معهم من مرعى لمرعى و يعيش معهم شظف العيش و يشرب من حليب النوق ويكتب ملاحظاته عن عاداتهم وتقاليدهم

عاش دوتي بين قبيلة بشر اجمل ايامه حتى انهم عرضوا عليه تزويجه لانه من الغريب ان يجلس رجل بينهم بلا زوجة 

شهد دوتي ما تعيشه البادية من غزو عندما هاجم مغيرين مضاربهم وساقوا ٥٠ من الابل، تابعهم اصحابها حتى اختفت آثارهم في النفوذ

اشتهر دوتي بين افراد القبيلة بانه طبيب، ولم يعترضوا على انكبابه على الكتابة، كانوا يجتمعون عند شيخ القبيلة مساء يتسامرون

في موسم الصيف، تعرضت القبيلة للسرقة و سرق ٦٠ من الابل، ونطلق الرجال خلفها الا انهم عادوا بعد ٤ ايام بخفي حنين 

اعتاد دوتي على الاقامة في البادية و كره ان يغادر القبيلة، الا انه اراد استكشاف الحرة 

كانت الحرارة شديدة جدا عند الحرة حتى ظن دوتي انه انه سيموت، كانت الرحلة قاسية وكان لا يشرب الماء الا القدر الذي يبلل الريق 

بلغ دوتي قمة الحرة وكانت ٥٠٠ متر فوق سطح البحر و كانت الحياة فوقها مستحيلة الا ان بعض القبائل كانت تسكنها الانها آمنة من النهب

عندما هبط دوتي من الحرة، اقام في مخيم ليرتاح، وبقيت في نفسه رغبة شديدة في استكشاف المزيد من الحرة 

عندما انقضى فصل الربيع وحل الصيف اغيرت طبيعة الارض، وكانت تراوده فكرة قطع رحلته الا انه سرعان ما يعاود التصميم على المضي قدما

عندما جفت مياه الصحراء، توجه افراد القبيلة الى الآبار في مدائن صالح حيث تختلف الحياة و يعيش البد على المضير او الاقط 

كان يتردد على مسامعه نقاشات بشان وضعه بينهم فمنهم من طالب بالتخلص منه بقتله و منهم من عارض ودافع عن بقائه 

وكلما شاركهم دوتي الاكل، كلما اطمأن على حياته، فالبدو يقدرون العيش و الملح 

بعد ان تحسنت صحته، غادر دوتي مدائن صالح الى اراضي نجد، وصل الى تيماء عند مطلع شهر رمضان 

لم يكن الجوع غريبا على اهل تيماء في رمضان، فكان سكانها يقضون معظم اليوم نوما تحت ظلال النخيل 

قضى دوتي معهم معظم رمضان و كان يعالج المرضى وحظي بضيافة اهل تيماء في منازلهم و انتقل لاخذ النقوش الاثرية هناك 

شارك اهالي تيماء في احتفالاتهم للعيد، ورقص النسوة في الاحتفال و طلبن منه ان يريهم رقص النصارى في عيدهم

عندما ابلغهم ن الرجل يرقص مع المرأة وصدره ملتصق بصدرها، لم تعجبهم هذه النذالة 

اتفق دوتي مع شيخ من شيوخ القبيلة على السفر الى حائل، وعندما تعذر ذلك، قرر مرافقة قافلة اخرى 

بدأت الامور تأخذ منحنى خاطئا بالنسبة لدوتي حيث قرر رجال القافلة السفر الى حائل دون التوقف، وكانت القافلة تسير ليلا و نهارا 

انهار بعير دوتي من الاعيا على مقربة من اجا و سلمى، عندها فقط قررت القافلة الراحة 

على مدخل حائل، تلقى دوتي تحذيرا من رئيس القافلة ان اناسها غيورون و نصحه ان لا يريهم كتاباته، وان يكتب ما اراد خفية 

دخل دوتي الى حائل وحيدا مع دليله بعد ان تركته القافلة عند قرية موقاق. كان نبأ وصول النصراني الى حائل قد سبقه قبل وصوله 

عندما دخا دوتي حائل، كان في حالة يرثى لها، كان متسخا وفي ملابس بالية، ولكنه شعر انه دخل عالم الحضارة 

كانت اسواق حائل مليئة ببضائع من بغداد و تشعل النار فيها بقدائح من فينا بدلا من القداحة الحجرية 

كان امير حائل على علم بقدوم دوتي، بل وكان على علم بوجوده في مدائن صالح 

كان دوتي يسمع عن مأساة التنافس بين حكام آل رشيد على الحكم الى ان آل الحكم الى محمد آل رشيد، وهو رجل في الاربعين من عمره 

التقى دوتي بالامير في مجلسه بعد يوم من وصوله، القى التحية في مجلس الامير فلم يرد احد عليه، اشار اليه الامير بالجلوس 

سزله الامير عن سبب مجيئه وعن حياته وسبب حياته مع البدو. أجابه دوتي بكل صراحة 

علق احد الجالسين على اجابة دوتي بانه رجل صدوق وليس مثل من سبقه - وكان يعني بذلك الرجالتين جورماني و بلجريف 

اعتبر دوتي ابن رشيد من اعظم امراء نجد في عصره، يحبه مواطنوه الانه اشاع الامن بينهم، ويخشون عقابه الشديد

قدر سكان حائل وقتها ب ٣٠ الفا، لقي دوتي من الامير كرما شديدا و دعاه عدة مرات الى مجلسه 

بقي دوتي في حائل شهرا يعالج المرضى، الشيء الذي ازال بعض الريبة عنه كنصراني بين سكانها، ومنهم من دعا له "جزاك الله خيرا" 

ومع اقتراب فصل الشتاء ووصول قوافل من العراق و بلاد فارس لموسم الحج ففكر بالرحيل 

تفاجأ دوتي بوجود ايطالي مع قافلة الحج كان قد عاش في سوريا ٨ سنوات، وقال انه سيكتب عن رحلته عند عودته الى روما 

لم يعثر له دوتي على اثر لاحقا وخشي ان يكون قد قتل خلال رحلة الحج 

قرر دوتي مغادرة حائل بعد ان اصبح البقاء فيها مملا وبعد ان اصبح طول بقائه يثير شكوك اهل حائل 

كان دوتي قد افلس وطلب من احد شيوخ آل رشيد مبلغا من المال فاعطاه ٣٠ ريالا، وطلب من امير حائل خطاب توصية لحمايته في الطريق 

كتب ابن رشيد توصية لاهل خيبر ممن يدينون له بالولاء و الطاعة ان لا يتعرضوا للنصراني بسوء 

غادر مع ثلاثة من مرافقيه الا انهم تخلوا عنه في الطريق، لقي عطفا من بعض البدو في الطريق فعرض له احدهم ايصاله لخيبر ب ٤ ريالات 

وصل دوتي الى خيبر وكانت واقعة تلك الفترة تحت السيطرة التركية، وكان حامي العسكرية هناك اسود من اصل حبشي 

صرح لهم دوتي انه انجليزي نصراني الا ان القائد العسكري امر بمصادرة حاجياته و فرزها، متجاهلا توصية امير حائل 

امام هذا الوضع وجد دوتي نفسه في موقف حرج، الا ان احد الحاضرين ويدعى محمد النجيمي طمأنه و حن عليه وكان له بمثابة الاب 

دعاه النجيمي لتناول الطعام في منزله متى ما اراد رافضا اخد اي مقابل مادي لقاء ضيافته، وكان الاثنان بمثابة الاخوين 

كان النجيمي يأخذه في حمايته عندما كان يقوم باستكشاف الحرات المجاورة رغم معارضة قائد الكتيبة العسكرية التركية 

لم يطلق سراح دوتي من خيبر الا بامر من والي المدينة العثماني الذي استلم تقريرا عنه وامر باخلاء سبيله و تسليمه كل مقتنياته 

نصحه والي المدينة بالعودة لحائل و زوده بخطاب توصيه وامر بتزويده بدليل يرافقه الى حائل 

غادر دوتي عام ١٨٧٨ الى حائل ثانية ملتمسين الضيافة عند البدو في الطريق 

طوال ثمانية ايام لم يصادف اي من مضارب البادية، فبلغ منهم الجوع و العطش مبلغه حتى انه تشاجر مرارا مع مرافقه وكاد ان يقتله 

كانت الطريق قاحلة، لا مرعى ولا ماء ولا طعام، صادفا في الطريق مضارب قبيلة حرب فاحسنوا وفادتهم ووجدوا عندهم الماء و الطعام 

عندما اقترب من حائل كان كل من يتعرف عليه يلوم دليله على مرافقته للنصراني، وصل دوتي لحائل بعد ١٦ يوما من مغادرة خيبر 

كانت حائل مقفرة وكأنها ميته وكان اميرها قد ذهب للغزو، ولكن نائب الامير رفض ان يبقى دوتي في حائل 

عندما سأله دوتي اين يذهب، قال له: من حيث اتيت. في الاخير سمح له نائب الامير بالبقاء ليلة واحدة، وكان عدائيا تجاهه 

في اليوم التالي كانت معنويات دوتي متدنية فلا يعرف الى اين يذهب ولا يستطيع المضي قدما ولا حتى العودة من شدة الارهاق 

عندما كان ينزل للسوق، يتجمهر حوله الناس بشكل عدائي ويدعونه للاسلام، وكان يرفض الدخول للاسلام ويصر على نصرانيته 

وبعد اسبوع غادر مع دليله باتجاه الجنوب الغربي على غير هدى حتى ان دليله ضاق به ذرعا و فكر بتركه و استوقى عليه واخد منه الجمل 

اجبر الدليل دوتي على المشي بقدميه حتى تقرحت وتمنى تلك اللحظة تمنى دوتي ان يموت على ان يحيا هذه الحياة البائسة 

في مكان يدعى غلفا، تركه دليله مع احد البدو وغادر. عرض عليه البدوي ايصاله الى اقرب مضارب بدو حرب الى الجنوب الشرقي 

بقي دوتي مع البدوي الغريب، وكانت زوجته تختلس النظر اليه من فترة لاخرى داعيه زوجها ان يساعد الغريب و يوصله الى اهله 

واجه دوتي لحظة عضيبة في ان يتخلى عن بعض كتبه لاجل ان يواصل رحلته، فدفن بعضها في مكان ما بكل احترام 

حين اراد السفر الى القصيم، سمع عن معارك بين ابن سعود وخصومه في القصيم، فآثر الانتظار الى حين انجلاء الامر 

اتفق دوتي مع دليل شمري يوصله الى بريدة مقابل ٥ ريالات. وصل دوتي الى بريدة بعد ثلاثة ايام وهي بلدة كبيرة مبنية بالطوب 

تحيط ببريدة اسوار وابراج وحول سورها اشجار و كثبان رملية، عندما وصل اليها سئل عن ديانته فقال لهم: انا مسيحي، اتريدون قتلي؟ 

فرد عليه احدهم: لا تخف، انها القصيم التي جاب اهلها بلدان العالم فمن رزى العالم فليس بجاهل سنتعامل معك بشكل حضاري 

امتدح دوتي اهل القصيم وافقهم المستنير الذي اكتسبوه باتصالاتهم مع قوافل الحج و تجارتهم مع العراق و نجد و الكويت و الخليج 

علم دوتي ان سكان بريدة لا يرحبون بالاجانب الغير مسلمين، ولما حانت الصلاة دعي للمسجد ولكن رفض وطلب منهم ايصاله لمكان ينام فيه

ولما انتهت الصلاة دعي لمجلس القهوة و سئل: هل انت المسيحي الذي كان في حائل؟ فعجل دوتي من سرعة انتقال الاخبار في المنطقة 

تعرض للنهب في المجلس من قبل اناس بعد ان رفض النطق بالشهادتين، وعروه من ثيابه الا ما يستر العورة 

ولما ذهب الى امير بريده ابلغه انهم نهبوه، فقال له ان من نهبوه ليسوا من اهل بريدة وامر باستعادة ما اخد منه والا قطع ايديهم 

واستعاد دوتي جميع مقتنياته التي سلبت منه 

كان الاطفال يقذفون دوتي بالحجارة و النسوة يصرخن عليه من خلف ابواب المنازل ولم يجد لديهم ادنى معاملة حسنة 

طلب منه امير بريدة مغادرتها فورا، وكان كل ما تبقى معه ٨ ريالات، وهي لا تكفي لايصاله الى مدينة جدة 

مزق دوتي بعضا من الخرائاط التي كان يحملها ليبعد الشكوك عن نفسه و استنجد بمن ياخذه الى مدينة عنيزة 

في صباح اليوم التالي، تبرع احد الاهلي باخذه على حمار الى مشارف مدينة عنيزة و تركه هناك 

على عكس ما واجهه دوتي في بريدة وجد في عنيزة عكس ذلك و التقى باحد وجهاء عنيزة ويدعى عبدالله الكنيني، وامر امير عنيزة بحسن معاملته 

طلب منه الامير ان لا يشيع عن نفسه انه نصراني وانه سيبقى بخير 

وصف دوتي امير عنيزة - زامل - بانه عادل و متحرر، ولكن عنه - علي - كان عكس ذلك، حتى انه غادر المجلس مرة عندما دخل دوتي 

كان عمه علي لا يريد ان يتواجد مع مسيحي. كان الجو مريحا في عنيزة عكس حائل التي كانت مضطربة 

كما ان اهالي عنيزة ليسوا متعصبين كما هم في بريدة، وليس هناك سجن في المدينة و كتانت العقوبات على الجناة فورية جلدا بالجريد

كون دوتي صداقة مع رجل الاعمال عبدالله البسام وقال عنه انه واسع الثقافة وليس هناك مثيل له في نجد 

بدأ دوتي يعيش على الضيافة ويعمل على علاج المرضى، ولكن انتشار خبر وجوده بينهم اثار حفيظه خطباء المساجد، وتناولوه في خطبهم 

بدأ الناس في التحول عنه فلازم دوتي المنزل نهارا و اقتصر تحركه ليلا لزيارة اصدقائه 

كان الكنيني و البسام من الذين ثبتوا على موقفهم الودي من دوتي حتى آخر لحظة، حتى ان الكنيني عرض اقراضة ٢٠٠ ريال اذا كان محتاجا

في يوم من الايام، استدعاه عم الامير - علي - و امره بمغادرة عنيزة فورا واحضر له جملا ياخذه الى الخبراء، وبقي فيها ٣ ايام 

امر امير عنيزه بعودة دوتي شرط ان يبقى في احد البساتين، فزاره الكنيني والبسام و تأسفا له وهما من اقترح ان يعود ليسكن في البساتين

قرر دوتي سرعة ترتيب رحلته الى جدة، وبعد ستة اسابيع في البستان رافق الكنيني في رحلته التجارية الى مكة

اعطاه الكنيني جملا ومرافق يعتني به، وكان من ضمن القافلة ابن للبسام يدعى عبدالرحمن، واعتذر له البسام و الكنيني مرة اخرى بسبب ما حصل

وصف دوتي عنيزة بانها اغنى مدن الجزيرة العربية وهي التي تسير القوافل من الشرق للغرب، وكانت لها تجارة مع الهند و مصر و افريقيا 

معظم سكان عنيزة من قبيلة تميم التي ورثت الذكاء و التجارة و مكنت عنيزة في ان تكون اغنى المدن من ناحية الدخل 

كانت القافلة تضم ١٧٠ جملا و ٧٠ رجلا موزعين على مجموعات صغيرة وكلها متجهة الى مكة وليس جدة 

في الطريق كانت الآبار الصالحة للشرب قليلة، وكانوا يتزودون بما يجدون من ماء مالح و ملوث، وكان الطريق مقفرا خاليا من الرعاة 

في احدى المرات، سرق دوتي قربة ماء ليشرب، وعندما اكتشف صاحب القربة كاد ان يفتك به لولا تدخل ابن البسام الذي امر باعطائه الماء 

كما تعرض دوتي لعدة محاولات سرقة و قتل، اولا انه كان يذكر مهاجميه بان بينهم عيش وملح و انه عاش في مضارب البادية كثيرا 

في قرن المنازل على مشارف مكة، احرم التجار، وطلب دوتي ان يذهب الى الطائف الى الشريف ليساعده على الذهاب الى جدة 

في احدى المرات تعرض دوتي لمهاجمة احد اللصوص وكاد ان يقتله لولا ان ذكره دوتي بان انجلترا سترسل سفنهم للانتقام منه

لم يستطع دوتي ان يذهب الى جدة بسبب انهاك و عجز جمله، وتابع سفره الى الطائف و تعرض مرة اخرى لمحاولة سرقة وقتل من جنود الشريف

جرده الجنود من سلاحه وملابسه مهددين بقتله الا انهم استجابوا لتوسلاته ليبقى على قيد الحياة 

مرت بجانبهم قافلة متجهة الى مكة، ولما سمع اصحابها ان هناك نصراني قال احدهم "اخس، نصراني .. لعن الله والده" 

كان يرافقه في القافلة رجل من المدينة المنورة كان متجها الى جدة وكان يتعامل معه بشكل عدائي في البداية الى ان تغير موقفه معه الى شكل ودي

وصل دوتي الى الطائف وكانت ارض مخضرة لم يرى مثلها مثيلا منذ ان غادر دمشق، وعندما دخل الطائف كان لباسه ممزقا و لحيته طويلة 

اخذ حماما و ذهب للحلاق وقص لحيته ثم ذهب لمقابلة الشريف بعد ان لبس زي جندي بطربوش، وشعر في مجلسه انه في عالم الحضارة 

طمأنه الشريف بانه يمكنه التجوال حيث شاء في الطائف، وعندما يرتاح، يرسله الى جدة عند القنصل البريطاني 

وجه الشريف بمتابعة الجنود الذين سرقوه فاستعاد مسدسه و امواله منهم و عاقبهم الشريف و نكل بهم ووضعهم في القيود 

بعد اربعة ايام توجه دوتي الى جدة تاركا مكة وراء ظهره، وفي الطريق مر على سوق عكاظ 

لم يعلم دوتي انه كان هدفا للقتل من مرافقيه البدو بسبب انه نصراني، وكانوا يبتسمون عندما يقول لهم بان الله معنا في كل مكان 

كان يأكل الطعام مع مرافقيه الا رجل واحد، كان لا يريد الاكل مع كافر. في النهاية اتفق دوتي معهم ان لا يتحدثوا عن الاديان لتجنب الحساسية

وصل دوتي الى جدة عام ١٨٧٨، وتوجه الى عدن ومنها الى الهند. عاد دوتي الى اهله في نوفمبر من نفس العام 

كان دوتي هزيلا و ضعيفا وقدرته على تحدث الانجليزية بطلاقة ضعفت لانه كان لا يتحدث الا بالعربية 

عاد دوتي الى سوريا حيث جمع كل كتبه التي تركها وديعه عند القنصل البريطاني، و سافر الى نابولي ليكتب عن رحلاته 

اجمع النقاد ان كتب دوتي عن الرحلات تحفة من تحف ادب الرحلات 

بعد ٣٠ عاما من مغادرة الجزيرة العربية، ارسل دوتي هدية الى البسام و الكنيني في بريدة عن طريق القنصل البريطاني في دمشق

لم تصل الهدية الى البسام و الكنيني لانهما قد توفيا. الا ان ابن البسام - سليمان - تسلم الهدية عن والده 

ارسل الهدية التي لم يستلمها احد من عائلة الكنيني الى كلية كايوس في كامبريدج، وعاش بعدها منطويا مريضا 

عناية زوجته له مكنته ان يبقى على قيد الحياة حتى توفي عام ١٩٢٦ وقد ناهز ال ٨٠ عاما ……. انتهى 

Saturday, October 18, 2014

رحلات محرمة - الرحالة ليون روش


ولد ليون روش عام ١٨٠٩، توفيت امه في سن مبكر، هاجر والده الى الجزائر و تركه تحت رعاية خالته 

درس القانون و جذبته التجارة و ما فيها من اسفار. في ال ٢٣ من عمره انضم الى والده. لم تكن الحياة مع والده في البداية جذابه 

والده كان يستثمر في الزراعة. تغيرت نظرته للجزائر بهد زيارته لارملة احد حكام الجزائر، احب محادثتها و سلوكها 

خلال تكراره لزيارتها، تعرف على خديجة، وهي فتاة في سن ال ١٤ من العمر. كانت خجولة، وكان روش هواول مسيحي تراه في حياتها 

بعد عام قابلها مرة اخرى، ولامته هذه المرة لعدم تعلمه العربية. احبها واراد ان يتزوجها الا ان اهلها رفضوا لانه مسيحي 

التحق روش بالحرس الوطني الذي اسسه الحاكم الفرنسي دي روفيجو، في احدى المناسبات لمح خديجة و كانت قد تزوجت برجل آخر

اعاد التواصل معها عن طريق الرسائل و الهب قلبه حبها. تولى روش وظيفة مترجم بين الجزائريين و السلطات الفرنسية 

لما شك زوج خديجة بعلاقة رو،ش بزوجته، سفر بها الى مدينة مليانة، معقل المقاوم الجزائري الامير عبدالقادر الجزائري، الذي قاتل الفرنسيين

تولى والد روش منصب اداري في حكومة الاستعمار، وكانت فترة هدنة بين المجاهدين الجزائريين و المستعمر الفرنسي عام ١٨٣٧

تظاهر روش باعتناق الاسلام، و التحق بجيش عبدالقادر الجزائري واظهر له الاخلاس و الاستعداد لمقاتلة المحتل الفرنسي 

عينه الامير عبدالقدر الجزائري سيكرتيره الخاص و ساعده على الزواج من امرأة مسلمة و كان من المقربين من الامير 

علم والد روش بالتحاق ابنه بجيش عبدالقادر الجزائري فتوسل له ان يستعيد ابنه، الا ان الامير عبدالقادر رفض لحبه لروش 

طلب الامير عبدالقادر من روش ان ينضم الى احدى المعارك ضد الفرنسيين، الا ان روش رفض الانضمام مما اثار غضب الامير 

قال له الامير: جزاؤك في الاسلام جزاء المرتدين، الا اني اترك عقابك لله. امر الامير عبدالقادر ان يغادر روش المعسكر 

هرب روش من المعسكر بعد ان كاد ان يقتل من قبل اتباع الامير عبدالقادر ظنا منهم انه جاسوس 

عاد روش الى فرنسا و ابلغ حكومته ان كان يتظاهر بالاسلام ليتجسس على الامير عبدالقادر و جماعته الجهادية لصالح حكومة الاستعمار 

احتاج لبعض الوقت الى ان تغير الحاكم الفرنسي ليمسح عنه في اعين الفرنسيين صلته الحميمة بالامير عبدالقادر الجزائري

عاد للجزائر بعد ان تم تعيينه مترجما اول في الادارة الفرنسية 

طلبت الحكومة الفرنسية من بعض مشايخ الطرق في الجزائر اصدار فتوى يجيز بقاء المسلمين تحت الكم الفرنسي و التوقف عن الجهاد

حجتهم انه طالما ان السلطلت الفرنسية تسمح لهم باقامة الشعائر الدينية، فلا داعي للمقاومة 

كلف الحاكم الفرنسي ليون روش بحمل الفتوى الى علماء تونس و ليبيا و مصر والحجاز للمصادقة عليها 

الفتوى هي: تجويز عيش المسلمين تحت حكم النصارى و انه لا يترتب على احتلال النصارى لبلادهم جهاد ولا مقاومة 

غادر روش الجزائر الى القيروان و عرض عليهم الفتوى، و احالوه الى علماء مصر في الازهر

عرش روش الفتوى على علماء برقة في ليبيا، فاحالوه بدورهم الى علماء الازهر

تصادق روش مع جزائري يدعى سيدي الحاج، والذي كان متوجها للحج مع زوجته و اربع من عبيده، واتفق معه ان يرافقه و يتقاسم التكاليف

سافر الى القاهرة و عرض عليهم الفتوى و طالبهم بالمصادقة عليها، فأحالوه الى علماء الحجاز في مكة حيث يجتمع علماء المسلمين فترة الحج

خلال تواجده في مصر، تعرف على محمد علي باشا و تبادل معه الاحاديث حول شدة المقاومة في الجزائر و اسباب صمودهم 

ايد محمد علي باشا مقاومة الجزائرين ضد المستعمر الفرنسي، و سجل روش انطابعاته عن قسوة محمد علي باشا بعد مذبحة المماليك في القلعه

تظاهم روش انه مسلم و اتخذ اسم الحاج عمر، و تظاهر بسعيه لتحسين وضع الحجاج الجزائريين 

رأى روش اكثر من ٢٠٠ حاج جزائري يتكدسون في السفينة المغادرة الى جدة رغم انها لا تستطيع حمل الا ربع هذا العدد 

اتفق مع مقوم رحلات في القاهرة ان يزوده ب ١٢ جمل و عبيد و حراس و ذلك للسفر الى ينبع 

وصل روش الى ينبع و صادف بعد وصوله وصول سفينة تحمل حجاج جزائريين ووصف معاناتهم في السفينة 

كانوا لا يأكلون الا البسكويت الجاف ولا يوجد معهم ماء الا ما ينجيهم من الموت عطشا، ومن يموت يرمى في البحر 

اتفق مع متعهد رحلات للذهاب الى المدينة المنورة، وفيها لبس روش لبس التقوى وكان يردد الادعية الدينية 

اعجب روش ببناء المسجد النبوي و اعمدته وما عليها من كتابات عربية و رسومات، غادر روش بعد ثلاثة ايام الى مكة ووصل بعد تسعه ايام

لبس روش الاحرام و طاف ببيت الله الحرام وشرب من ماء زمزم، ووصف الحجاج الذين يلتصقون بجدار الكعبة يبكون و يدعون 

سجل روش اعجابه بمشهد الطائفين حول الكعبة في الليل تحت اضواء الفوانيس وهم يرددون بصوت عالي الادعية و الايات القرآنية 

كما لاحظ روش اصوات ضحكات الرجال و النساء و الاطفال المجتمعين في صحن الكعبة، كان الاطفال يلعبون و النساء يطبخن 

اتجه روش الى الكعبة محاولا الدخول اليها، و انتظر ثلاث ساعات حتى تحقق ذلك

قال روش: كان عليك ان تدفع للاغوات عند كل خطوة تخطوها للكعبة، تدفع عند الدرج، و انت داخل، و انت خارج و انت تقبل باب الكعبة 

ارسل روش خطاب توصيه كان قد حصل عليه من احد اصدقاء شريف مكة اليه، و التقى به في الطائف حيث كان يتواجد 

تحدث روش مع الشريف في امور السياسة و امور الحجاج الجزائرين ووعده الشريف بالسعي لدى السلطات التركية لتحسين اوضاعهم

اشتكى الشريف لروش تدني اعداد الحجاج القادمين التي كانت تصل لمآت الآلاف في ست قوافل، ولم يأت منهم تلك السنة الا ٥٠ الفا

شكا الشريف اليه ايضا انه استعان بالاتراك ضد (الوهابيين)، فتحول الاتراك الى استبداديين

صادف وجوده في الطائف وجود علماء من مكة و المدينة و دمشق و بغداد، وعرض عليهم فتوى تجيز الاحتلال الفرنسي للجزائر

دار بينهم جدال عنيف و بين مؤيد و معارض، كتبت الفتوى و ختمت و سلمت الى روش 

عاد روش الى مكة ليجدها قد ازدحمت بالحجاج من كل بقاع الارض على اختلاف اجناسهم، و الوانهم و السنتهم 

جاء موسم الحج و انتقالهم الى عرفة و انضم روش لقافلة الحجاج الى ان وصلت القافلة الى عرفة

في الليل تداخلت اصوات المتعبدين باصوات اصوات المقاهي و اصوات فرح و طبول و رغاء ٢٠ الف جمل، مما شكل سمفونية موسيقية

في صباح يوم عرفة بينما كان روش يتفقد مخيمه، حدث حادث لن ينساه طوال عمره 

جاء روش وجها لوجه مع حجاج جزائريين ممن تعرفوا عليه باعتباره مترجما للسلطات الفرنسية في الجزائر 

كان روش مسؤولا و سببا في الحكم عليهم بالسجن في سجون سلطات الاستعمار، و تجمدت الدماء في عروقه 

قال روش فيها: شعرت انني اطأ افعى سامة خاصة انني لم اوثق اسلامي و تخلي عن المسيحية 

مضى روش ليكمل وضوءه خارج الخيمة استعدادا للصلاة، وذهب الى حيث يقف الخطيب ووراءة شريف مكة و بعض الحرس 

فجأة، ارتفع صوت: "مسيحي .. مسيحي .. اقبضوا على المسيحي، العاق ابن العاق" و عرف روش وقتها انه هو المقصود 

وسط هذه التوترات، شق ستة من الجنود الاقوياء الزحام "وقبضوا على الكافر" و رفعوا به فوق احد الجمال واسرعوا به خارجين من عرفات

شك روش بانه ميت لا محاله، لكن الجنود انقذوا حياته، كان الشريف يتابع تحركاته في الحج، وكان القبض عليه سببا في نجاته 

بعد ساعة من الهرولة، اطلق الجنود سراحه وقدموا له طعاما، وحكى له الجنود القصة، حيث ذهب الحجاج الجزائريين الى القاضي

و اشتكوا من وجود مسيحي في عرفات، نقل القاضي القصة الى شريف بكة الذي اظهر غضبا ظاهريا ووجه جنوده بالقبض عليه و انقاذه 

ونظرا لسعة صعيد عرفة فقد بحث عنه الجنود طوال اليوم بلا جدوى، ولما سمعوا صوت الصراخ "مسيحي" ظهروا بين الجموع لانقاذه

كان لابد من ان يغادر روش مكة، فجد الجمال في السير حتى وصلوا الى جدة في سبع ساعات وفي نفس المساء غادر الى مصر

في مصر ارسل رسالة الى الحاكم الفرنسي في الجزائر يبلغه بما حصل و ارفق معها استقالته من منصبه كمترجم 

شك محمد علي باشا بنوايا روش بعد علمه بامر الفتوى فارسل من يراقب خطواته و اتصالاته بل و حتى حمايته 

غادر روش الى فرنسا وفيها انتابه الندم على تجسسه، فدخل في الرهبنة في روما عام ١٨٤٢ و ذلك للتكفير عن خطيئته 

رفض الفرنسيون استقالته و قام السفير في روما بجهود جبارة لاقناعه بالعودة للجزائر 

تفاجأ روش بعد عودته ان يرى ملابسه و اسلحته و كتبه و مذكراته التي كتبها عن رحلته والتي تركها في مكة، موجودة في الجزائر 

فقد احضر رفيقه سيدي الحاج معه من مكة الى الجزائر و اودعها لدى الحكومة الفرنسية في الجزائر 

انضم روش للقوات الفرنسية في حربها ضد المجاهدين الجزائريين و كان له دور في صياغة اتفاق العهد في تونس عام ١٨٦٠ 

هذه الاتفاقية فرضت على تونس حماية لرعايا الاجانب في تونس مع بعض الامتيازات، ولاحقا ساهمت في استعمار تونس من قبل فرنسا

اسهمت الفتوى التي حصل عليها روش في التاثير سلبا على المقاومة الجزائرية، و انتهت المقاومة بالقبض على المجاهد عبدالقادر الجزائري 

سجن عبدالقادر الجزائري في فرنسا و اطلق سراحه لاحقا عام ١٨٥٢ و حرم عليه العودة للجزائر، وعاش لاجئا في اسطنبول و دمشق

المراسلات بين روش و عبدالقادر الجزائري استمرت حتى عام ١٨٨٣ 

تولى روش عدد من المناصب الادارية في طرابلس و تونس و اليابان بعد انتهاء الحرب الفرنسية في الجزائر، و بعدها احيل للتقاعد

كتب روش في ملاحظاته اثناء وجوده في مكة ان النساء لا يطفن الكعبة الا ليلا، و المسافرون لا يسافرون الا ليلا خوفا من قطاع الطرق

وصف ايضا شريف مكة بانه صديق و متسامح ولكنه مشغول بشأن العالم وانه يمكن ان يكون حليفا لفرنسا 

اما عبدالقادر الجزائري فقال فيه انه رجل مخلص في ايمانه، ولو قدر له ان يحكم مكة لناصر الدعوة محمد ابن عبدالوهاب الاصلاحية 

ولدافع ايضا عبدالقادر الجزائري عن امراء آل سعود ولاحبط حملة محمد علي باشا على الحجاز لاعادتها الى الهيمنة العثمانية 

بقي ان نعرف ان مهمة روش في تهيئة الرأي الفقهي في مقاومة المستعمر نجحت … انتهى 

مكة.... تحت سيوف القرامطة


مكة.... تحت سيوف القرامطة
تنسب هذه الحركة الى رجل من اهل الكوفة يقال له حمدان قرمط. كان يميل الى الزهد فصادفه يوما في طريقه احد دعاة الإسماعيلية وهو الحسين الأهوازي. وكان ممن بعث بهم عبدالله بن ميمون القداح من سليمة الى الكوفة لنشر الدعوة بها. فاستدرج الداعي حمدان واتسغواه حتى استجاب لدعوته وصار اصلاً من اصول الدعوة الإسماعيلية الباطنية، ولما توفي الداعي الإسماعيلي تولى الأمر من بعده حمدان قرمط فأظهر نشاطاً في الدعوة و حماساً لها و استطاع ان يجمع حوله الكثير من الأتباع واتخذ مركزاً خارج الكوفة اسماه " دار الهجرة" جعلة مقراً لإتباعه و منطلقاً لدعوتهم. و كان يجبي الضرائب من اتباعه، و يغويي الضعفاء بمساعدتهم وبذل المال لهم وإشاعة المؤاخاة بينهم.

القرامطه ودورهم الخطير في التاريخ الإسلامي:
إن الفرس كان يوجد لديهم الحسد و الظغينة نحوا الإسلام و اهله منذ زوال ملكهم و مجدهم و إغتيال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه و الذي تم بيد ابي لؤلؤة المجوسي كان مظهرا لتلك العداو، و ان مذهب الباطنية كان نتاجا للفكر الفارسي لمحاربة الإسلام و المسلمين في عقر دارهم، وذلك عن طريق تقديم الآراء و الافكار التي تخالف الإسلام نصا و روحا حيث انهم لجأوا الى تأويل القرآن و سنن الرسول بما يفسد الإسلام. و ان الباطنية تعني ان كثيرا من آيات القران و كثيرا من الفرائض الإسلامية لها معنى ظاهر و معنى باطن، و الباطنية يظهرون امام العامة بالمظهر الإسلامي ولكنهم يستعملون الفكر الباطني امام خاصتهم، وعلى هذا فهم قوم يظهرون الإسلام ولكن عقائدهم و اتجاهاتهم الفكرية تخالف الإسلام في كل اسسه، فهم لا يعترفون بالخالق وهم يبطلون النبوة و ينكرون العبادات و البعث.

إن حركة القرامطة في جوهرها تنحدر من مذهب الباطنية بدليل وجود التشابه الكبير بينهما حول تفسير الإسلام, وكذلك جعلو حب علي وآل البيت ستاراً لأعمالهم الإجرامية مثل ما قامت به الحركات الباطنية الأخرى.

يقول الشيخ محمد ابو زهرة: إن الإسماعيلية و القرامطه من الشيعة الغلاة الذين خالط مذهبهم بعض آراء من عقائد الفرس القديمة و من الأفكار الهندية فانحرفوا تحت تأثير ذلك.

عقائد القرامطة:
كان القرامطة يرون ان للقرآن و السنة معنى ظاهراً و معنى باطناً، وقد راح القرامطة يتوسعون في هذا المعنى الباطن ويضيفون له الكثير مما يفسد الإسلام و المسلمين، وبهذا قالوا بحل الخمر وبأنه لا غسل مع الجنابة، وبأن الصلاة في اليوم اربع ركعات ركعتان قبل الشروق و ركعتان بعد الغروب، و ان الصوم يكون يومين في السنة يوم المهرجان و يوم النيروز. ثم حط زعيم القرامطة عن مريديه الصوم و الصلاة و جميع الفرائض و قال لهم هذا كله موضوع عنكم ومعرفة الإمام تغنيكم عن كل شيء. و يرى القرامطة ان دم و اموال مخالفيهم حلال.

اهداف القرامطة:
إن القرامطة كان هدفهم القضاء على الخلافة العباسية وذلك عن طريق مساعدة الفاطميين الذين كانوا يريدون تدمير سمعة العباسيين. ومن ثم نلاحظ ان الفاطميين كانوا يشجعون القرامطة في صراعهم ضد العباسيين و يشجعونهم في حركاتهم المدمرة في المناطق المختلفة في الجزيرة العربية، وكان اهداف الفاطميين من ذلك ان يشغلوا العباسيين حتى يكونوا دولتهم في الشمال الإفريقي وفي مصر و الشام، والخلافة العباسية في شغل شاغل عنهم.

إن التأييد و المساعدة التي قام بها الفاطميون للقرامطة كانت تقوم على المصالح المشتركة بينهما، لأن كلاهما ينبع من اصل واحد وهي الباطنية االتي تعمل جاهدة على تمزيق الامة الإسلامية، ولذلك نلاحظ انهم قاموا بتركيز جهودهم لتحقيق هدفهم المعين وهو القضاء على الخلافة العباسية التي كانت رمزاً للإسلام و المسلمين.

الأعمال الإجرامية التي قام بها القرامطة:
إن القرامطة قاموا بأعمال رهيبة في سبيل تحقيق اهدافهم التي تـقـشعر منها القلوب، وقد ذكر لنا المؤرخون بعض اعمال القرامطة التي قاموا بها تحت قيادة ابي طاهر سليمان بخصوص هجومهم على مكة حيث انهم قتلوا نحوا ثلاثة آلاف من الحجاج غير الذين ماتوا من الجوع وغير من وقع اسيراً، وكان من بيت الأسرى: الأزهري اللغوي العالم المشهور وقد غنم ابو طاهر ملايين الدنانير إذ ذاك وارسل جزءاً منها الى الإمام الشيعي وانفق الباقي على اتباعه، وقد هاجم القرامطة مكة مرة اخرى ودخلها ابو طاهر واصحابه يقتلون اهلها ومن كان فيها من الحجاج حتى من تعلق فيها باستار الكعبة وهدم زمزم وفرش بالقتلى المسجد، واقام ابو طاهر بمكة ستة ايام وهو يحرض اصحابه على القتل ويتنقل من مكان الى مكان ويقول (( اجهزوا على الكفار وعبدة الأحجار )). 

وجاء في (( تاريخ اخبار القرامطة )) عن الفضائع التيي ارتكبها زكرويه مع الحجاج رجالاً ونسائاً و اطفالاً حييث انه كان يسد الآبار بجيف القتلى حيث يموت الحجاج عطشاً وكان بعد المعرك يأمر نساء القرامطة ان يدرن بالماء بين الجرحى ليتعرفن بذلك على الجرحى الذين لم يموتوا بعد قتلهم.

ورد في نفس الكتاب عن بربرية القرامطة التي قاموا بها ضد المسلمين الأبرياء (( إن القرامطة دخلوا حماة و معرة النعمان وغيرها فقتلوا اهلها وقتلوا النساء و الأطفال ودخلوا بعلبك فقتلوا اهلها ولم يبقوا منها إلا القليل وصالح اهل سليمة زعيم القرامطة بعد ان أمنهم، فلما دخلها قتل جميع من فيها من بني هاشم ولم يبقى منهم احداً وقتل النساء و الصبيان و الفقهاء و الشيوخ و البهائم فخرج القرامطة منها وليس بها عين تطرفن ودخلوا في القرى المجاورة يسلبون و يقتلون و ينهبون و يأتون المنكرات مالا عين رأت ولا اذن سمعت)).

إن الروايات الموضحة تشير إلى بربرية القرامطة والتي بلغت ذروتها ضد الأمة الإسلامية وذلك لتحقيق اهدافهم المرسومة من قبل اسيادهم اليهود.

وفي رواية اخرى من احدى الكتب:

ورغم الإختلاف حول هوية حمدان قرمط و الداعي الإسماعيلي الذي اغواه، فإن الحركة انتشرت من سواد الكوفة حت اصبحت في اواخر القرن الثالث هجري خطراً يتهدد الخلافة و ينشر الرعب و الفزع في نفوس الناس، وقد هاجم القرامطة البصرة و الكوفة و نواحي الشام و انتشروا في اليمن و نواحي البحرين و القطيف، و استطاعوا ان يؤسسوا دولة في البحرين بقيادة ابي سعيد الجنابي، ودخلوا في مواجهة مع جيوش الخلافة العباسية و هزموها في عدة مواقع، واكثروا النهب و القتل و السلب للمسلمين، خاصة في مواسم الحج، حيث كانوا يهاجمون قوافل الحجيج و يفتكون بها، وبلغوا ذروة نشاطهم عام 317هـ، حيث دخلوا مكة تحت إمرة ابي طاهر سليمان بن سعيد الجنابي و قتلوا الحجيج و ردموا بجثثهم بئر زمزم وهدموا الكعبة و نزعوا الحجر الأسود وحملوه الى عاصمتهم "هجر" حيث ظل لديهم بضعة و عشرين عاماً ولم يرد الى الكعبة إلا عام 339هـ. و يقول ابن كثير عن احداث تلك الفترة: حج بالناس في هذه السنة (317هـ) منصور الديليمي، و سار بهم من بغداد الى مكة، فسلموا في الطريق، فوافاهم ابو طاهر القرمطي بمكة يوم التروية، فنهب اموالهم، و استباح قتالهم، فقتل في رحاب مكة و شعابها، وفي المسجد الحرام، وفي جوف الكعبة من الحجاج خلقاً كثيراً، وجلس اميرهم ابو طاهر، لعنه الله، على باب الكعبة، و الرجال تصرع حوله، و السيف تعمل في الناس في المسجد الحرام في الشهر الحرام يوم التروية الذي هو من اشرف الأيام وهو يقول:

انـــا الله وبــا لله انــا
يخلق الخلق و افنيهم انا

فكان الناس يفرون منهم، فيتعلقون باسوار الكعبة فلا يجدي ذلك عنهم شيئاً، بل يقتلون وهم كذلك، ويطوفون فيقتلون في الطواف، وقد كان بعض اهل الحديث يومئذ يطوف فلما قضى طوافه اخذته السيوف.

فلما قضى القرمطي، لعنه الله، امره وفعل ما فعل بالحجيج من الأفاعيل القبيحة، امر ان تدفن القتلى في بئر زمزم، ودفن كثير منهم في اماكن من الحرم وفي المسجد الحرام، ولم يغسلوا ولم يكفنوا اي احد ولم يصل عليهم لأنهم مُـحرمون. وهدم قبة زمزم، وامر بقلع باب الكعبة ونزع كسوتها عنها وشقها بين اصحابه، وامر رجلاً ان يصعد الى ميزاب الكعبة فيقتلعة، فسقط على ام رأسه فمات الى النار. ثم امر بان يقلع الحجر الأسود فجاء رجل فضربه بمثقل وقال: اين الأبابيل، لين الحجارة من سجيل. واخذوه و راحوا به الى بلادهم فمكث عندهم 22 سنة. وقد حاول القرامطة بهجومهم على الكعبة ان يبطلوا فريضة الحج، و يروى ان قائدهم كان ينشد وهو يشاهد انصاره يهدمون الكعبة:

ولو كان هذا البيت لله ربنا
لصب علينا النار من فوقنا صباً

لأننا حججنا حجة جاهليةً
محللة لم تبق شرقاً ولا غرباً

وإنا تركنا بين زمزم و الصفا
جنائز لا تبقي سوى ربها ربا

ولكن رب العرش جل جلاله
لم يتخذ يتخذ بيتا ولم يتخذ حجبا

وقد استمر نشاط القرامطة في البحرين لفترة طويلة حتى ضعف امرهم و انتهت دولتهم عام 470هـ.

جمعتها لكم من عدة مصادر، اسأل الله ان ينفعنا و إياكم



المراجع:

1- من سواد الكوفة، الى البحرين ( القرامطة من فكرة إلى دولة ) للكاتبة مي محمد الخليفة
2- دراسة عن الفرق و تاريخ المسلمين ( الخوارج و الشيعة ) 
للكاتب د. أحمد محمد أحمد جلي
3- و تموت الفتنة ( إعداد جريدة الندوة ) 
** وهذا الكتاب نادر الوجود، يتكلم عن فتنة الحرم المكي عام 1400 هـ و التي كان جهيمان و القحطاني احد اضلاعها.
AnaJEDDAWI