Saturday, September 24, 2016

رحلة فتح الله الصايغ

شغل الملك عبدالعزيز الكتاب و المؤرخين و الرحالة في حياته لضخامة التأثير الذي كان هو محوره في اوائل القرن العشرين

حقق الملك عبدالعزيز واحدا من اهم المنجزات في التاريخ العربي و الاسلامي بتوحيد الجزيرة العربية في كيان واحد، المملكة العربية السعودية

اجمع الكتاب و المفكرون و الدبلوماسيون و الرحالة على عبقرية الملك عبدالعزيز و ضخامة الانجاز الذي حققه رغم العديد من الصعوبات

ما حققه الملك عبدالعزيز مرتبط بالمكانة التي تحتلها الجزيرة العربية كونها تضم اقدس بقاع المسلمين

اعترفت الدولة العثمانية بمكانة الامارة السعودية منذ بداية تكوينها و التي كانت قائمة في الدرعية بشكل مباشر او غير مباشر

طال اهتمام الاوروبيين بالدولة السعودية الاولي منذ التحالف بين محمد ابن سعود و محمد بن عبدالوهاب للعودة بالمسلمين للاسلام الصافي

لم يخف الاوروبيون اعجابهم بمن التقوا من ائمة و امراء الدولة السعودية

وصف المستشرق ديفيد هوجارث، محمد ابن سعود بذوي المواهب المتعددة و طاقة كبيرة و جذور في الاصالة الاجتماعية

نرصد في هذه السلسلة ما قاله الكتاب و الرحالة المشاهير، و الذين اجمعوا على مكانة الملك عبدالعزيز في التاريخ

باكورة سلسلة رحالة في ديوان الملك عبدالعزيز آل سعود هو الرحالة فتح الله الصايغ

فتح الله أنطوان الصايغ، شاب سوري نصراني انتحل اسما في الرحلة وهو عبدالله الخطيب، من مواليد حلب عام ١٧٩٠

زار الدرعية برفقة الفرنسي تيودور لاسكاريس دي فنتيميل، و الذي انتحل بدوره اسم الشيخ ابراهيم اثناء تجواله في الجزيرة العربية

كانت المنطقة العربية آنذاك مسرحا لتنافس الجواسيس الاروروبيين، وكانت مهمة لاسكاريس التجسس لصالح نابليون بونابارت

كانت مهمة لاسكاريس كسب صداقة العرب و ابعادهم عن العثمانيين ليكونوا عونا لجيش كبير يمر من منطقتهم الى الهند

ارسل الانجليز الليدي استانوب لتعطيل مهمة هذا الجاسوس

شهد الصايغ في تلك الفترة معارك بين الجند السعودي و العثمانيين قرب حماة، حيث امتد نفوذ الدولة السعودية الاولى الى بادية الشام

استعان لاسكاريس في مهمته بالصايغ و تعلم العربية و اتخذه رفيقا و ترجمانا له في رحلاته

تعرفا على الدريعي بن شعلان، امير عرب الرولة شمال الجزيرة العربية و رحلا معه الى الدرعية لمقابلة حاكمها ابن سعود

حفظ الصايغ رحلة الجاسوس الفرنسي في مذكراته و التي شملت رحلاته معه و نشاطه التجاري و نشأت بينهما علاقة مودة

اشترى بضائع بغرض الاتجار بها استعدادا للرحلة و اطلق الجاسوس الفرنسي لحيته و كان يوهم الناس بأنه مجنون

بدأ الرحلة من حلب عام ١٨١٠ و طلب لاسكاريس من الصايغ تسجيل يوميات الرحلة و ما يشاهدانه

انطلقا من مارين، و معرة النعمان، فشيخون، فحماة، وفيها اقاما ٢٠ يوما و شك الحاكم في امرهما فسجنهما

بعد اطلاق سراحهما غادرا الى حمص، وفيها اقام ٣٠ يوما ليعمق الرحالة الفرنسي معرفته بالقبائل العربية و عاداتها و لهجاتها

غادر الى صدد، و سكانها من نصارى السريان، وحاول شيخها تثبيط همته و تخويفه من السفر الى بلاد العرب، لكنه واصل الرحلة

في الطريق الى تدمر، تعرضا لهجمة من فرسان البدو لانهم نصارى آتون الى تدمر بدون اذن اميرها، وقضوا فيها اياما

تعرفا على مهنا الفاضل، من شيوخ قبائل عنزه، و توجها الى مضارب قبيلته في البادية

تعايشوا ما تمر به المنطقة من فوضى حيث تتبادل القبائل الغارات، فكانوا بين منتصر و مهزوم و سالب و مسلوب

شاهدا تنافس شيوخ القبائل ليكونوا تبعا للدولة العثمانية و شاهدا العديد من القبائل التي تسعى للاستقلال بعيدا عن سلطتها

كان اكثر المتمردين، الدريعي بن شعلان، شيخ مشايخ قبائل عنزه وهم من انصار الدولة السعودية في الدرعية

اعجبا بسيرة الشيخ بعد ان سمعا انه لا يوجد في شمال الجزيرة العربية من هو اكبر منه، و عرف لاسكاريس انه هو المطلوب

انتظر لاسكاريس قرب دمشق حتى نهاية الشتاء و بدأ التمرن على عشرة العرب و تقوية لغته و التعرف على القبائل وعدد امرائها

توجه الى البادية الى مضارب الدريعي فاستقبلهما استقبالا حارا و امر بنحر جمل اكراما لهما، و كانت اول مرة يأكلان لحم الجمل 

كان ابن سعود، حاكم الدرعية، في تلك الاثناء يوطد سيادته بين عرب شمال الجزيرة العربية حتى دانت له و اصبحت تدفع له الزكاة

كان هم الجاسوس الفرنسي لاسكاريس كيف يجمع قبائل الشمال تحت قيادة الدريعي ليجعل منه سلطان العرب بدلا من ابن سعود

بلغت الاخبار ابن سعود ووقف على تفاصيل هذه الخطة مما اغضبه

كتب ابن سعود الى الدريعي: جميع ما عملته صار معلومكا لدينا. فهم ابن سعود حكاية التحالف بين الدريعي مع العثمانيين ضده

عزم ابن سعود على ان يكون ضده و ينهي ذكره و ذكر من وقف معه

نصح علي بن عواد، شيخ قبيلة الخرسامن الفدعان من عنزه، الدريعي بان يتجنب عمل الشيطان و يقلع عن عدائه لابن سعود

ابلغه ان سيف ابن سعود طويل و ماله كثير و جيشه طوابير ولا يمكن قتاله، بل انه سيندم حيث لا ينفع الندم

كان الجاسوس الفرنسي في تلك الاثناء يؤلب قبائل الشمال و يجمعونها تحت زعامة الدريعي

وصلت طلائع ابن سعود الى تدمر و منها الى غوطة الشام، و انهزم الجيش العثماني و الدريعي بعد معارك لاكثر من شهر

ارسل الامام ابن سعود رسالة الى الدريعي يدعوه للحضور للدرعية وهو عنده بأعز منزلة و قبول وقد صفح عن جميع زلاته

اشار الجاسوس الفرنسي و الصايغ الى الدريعي بالذهاب الى الدرعية، و قرر الصايغ ان يسافر معه دون الجاسوس الفرنسي

انطلق الدريعي و الحلبي في رفقة ١٢ شخصا الى الدرعية، وبعد ١٤ يوما، وصلوا الى مشارفها

نصحتهم احدى القبائل في الطريق بإخفاء الدخان و الغليون لانه محرم جدا ومن يوجد عنده لا يسامحونه

قال الحلبي في مذكراته: مشينا اربع ساعات بين النخيل الملتحم بعضه ببعض و التي تحمي البلده و تمنع عنها العدو ..

وصلنا الى باب المدينة وجدنا حولها تلالا سوداء عند السور، وكانت تلك عجوة يكدسونها من سنة الى سنة

امر ابن سعود ان ينزل الدريعي و رفاقه في دار الضيافة، وهي محل نظيف و مفروش و حالا احضروا لهم الغداء

طلب الدريعي الاذن بمقابلة ابن سعود، ووصف الصايغ ديوانه، سلم كل واحد عليه من غير تقبيل اليد، كما هي عند العثمانيين

وصف ابن سعود بانه في ال ٤٥ من العمر و يلبس ثوبا ابيض و مشلح حساوي اسود من غير قصب و كوفية و عمامة من القطن

بدأ اللقاء بعتاب ابن سعود على الدريعي لاعتدائه على بني صخرو قيامه بافعال و تحالفات مع العثمانيين بهدف التدمير و الخراب

شرح الدريعي الهدف من تحالفات القبائل التي اقامها في الشمال بهدف امتلاك عربستان كي تكون حصنا له امام الاتراك

تجول الصايغ في الدرعية التي كانت بلدة صغيرة فيها مياه وافرة و عمارتها من الحجر و سكانها ٧٠٠ نسمة فقط

كان لا يوجد بها سوق للبيع من نوع اكل و شرب، كل واحد يأكل في بيته، الغريب يضيفونه و يتسابقون على دعوته

كانت الدرعية تنظم سوقا كل اربعاء و يتعاملون بالريال الفرنجي و لا يتعاملون بالعملة العثمانية

وصف الصايغ ابن سعود بانه فصيح جدا، متكلم، و عنده علماء عارفون بامور دينهم، كان ابن سعود في احكامه يعتمد على احكام الدين

وصف موظفي ديوانه، فيهم كتبة الرسائل و عندهم حسابات تنظم الدخل و المصروفات

زار الصايغ اسطبل ابن سعود في الدرعية و كان يوجد فيها نحو ٢٠٠ فرس جميلة لا يوجد نظيرها عند غير الملوك

قبل انتهاء الرحلة، التقيا بابن سعود و اتفقا بقول وثيق انهما بحال واحد، والدم واحد و المال واحد و العدو واحد

بعد اللقاء حضرا الغداء ثم طلبا من ابن سعود الاذن لهما و رفاقه بالسفر يوم الغد، و عاد الدريعي الى مكان الضيافة ليستعدا للسفر

ارسل ابن سعود لهما فرسين لا يقدرا بثمن لكل منهما و سيفا من افخر السيوف للدريعي و ١٠٠ ريال فرنجي

يوجها يوم السفر لابن سعود ليودعانه و صدف وجود رسول من ينبع يبلغه بان جيش محمد علي باشا وصل الى ينبع

و ابلغه انه في طريقه للمدينة، ضحك ابن سعود و قال: ان شاء الله يصير بهم اكثر مما صار بهم سابقا ..

غادر الدريعي و الصايغ الدرعية عبر الطريق الحجازي الى بلاد حوران، في خامس يوم السفر وجد جميع الجمال طامرة رؤوسها في الرمال

عرفوا ان رياح السموم قادمة، وهي رياح حارة جدا تستشعر الجمال وصولها قبل ثلاث ساعات

تطمر الجمال رؤوسها في الرمال حتى لا يدخل السموم في مناخيرها، و تأهب العرب للاحتماء من هذه الريح

اغلقوا الخيام من جهاتها الاربع و ادخلوا داخلها الماء و سدوا آذان الخيل حتى لا يصيبها الضرر، و غطى كل واحد منهم بمشلحه

لما وصلت الريح كأن ابواب جهنم قد فتحت نارا لا يوصف و دامت الريح ١٠ ساعات كادت ان تأخذ ارواحهم

لما توقفت وجدوا وجوه العربان سوداء و كأنهم خرجوا من حريق و مات من هذه الريح ٨ اشخاص

وصف الصايغ البدو بانهم سريعوا الغضب، سريعوا الرضا، محبون للحروب و الغارات ولهم صبر على الجوع و العطش و الحر و البرد

اكلهم و ملبسهم بسيط و يمشون حفاة و ينتعلون في المناسبات فقط

وصف نساء البادية بانهن يتعبن اكثر من الرجال، فعليهن جمع الحطب و الماء و الطبخ و حلب النوق وهن موقرات مسموعات الكلمة

الرجال لا يبولون الا وقوفا، و الولد منذ ولادته حتى وفاته لا يحلق شعر رأسه

انتهت رحلة الصايغ و زميله الجاسوس الفرنسي على ما تحقق من جمع المعلومات التي يريدها و لقائه بابن سعود

مات الفرس التي اهداها ابن سعود للصايغ و كان يعول على بيعها بثمن كبير لانها من الخيل الحرائر

وصلا الى اسطنبول وفيها عرف عن هزيمة جيش نابليون في روسيا، فغمه ذلك جدا و زاد الغم بالطاعون الذي انتشر في اسطنبول

لما انهزمت فرنسا، استنجد الجاسوس الفرنسي بالانجليز، فمنحه السفير في اسطنبول جوازي سفر انجليزيين

افترقا و ذهب الجاسوس الفرنسي الى مصر و الصايغ الى اللاذقية، فاجتمع بوالدته بعد فراق دام ٧ سنوات

جائه خبر وفاة الجاسوس الفرنسي في القاهرة، فاصابه الغم و الكدر و شعر ان سنوات الرحلة ذهب سدى

زاد الغم عندما استولى السفير الانجليزي في القاهرة على مقتنيات و رحلة الجاسوس الفرنسي كونه يحمل جواز بريطاني

مات الجاسوس الفرنسي و تعب التلميذ و اجرته التي لم يستلمها سدى

بقي ان نذكر في ختام ملخص هذه الرحلة شك البعض من علماء نجد في وقوعها و خاصة فيما يتعلق بالرحلة الى الدرعية

فند الشيخ احمد بن حسين الحنبلي المتوفي سنة ١٨٤١ ولخص رأيه فيها بقوله: كذب الصايغ ولم يصدق في شيء

المستشرق الفرنسي فلوجنس فرينل الذي كان قنصل جدة جزم بصحة الرحلة وما ورد فيها

اتخد محقق الرحلة -شلحد- موقفا وسطا بعد ان اطلع على نص المخطوط للرحلة و قارنه بترجمة لامرأتين لها

وجد بعد الهوة بينهما مصدقا الشيخ الحنبلي في جانب مما فنده بعد ان اطلع على نص المخطوط للرحالة

مرجعا ما نفاه الى ترجمتها من العربية الى الفرنسية و منها الى العربية مرة اخرى مما حرف عبارات الرحالة الصايغ

يحتمل ما انكره الشيخ الحنبلي في وصف الصايغ لابن سعود انه كان يعني والده عبدالله وليس سعود  الكبير الذي كان في الدرعية وقت الزيارة

Monday, September 21, 2015

رحلات محرمة - رحلة الدون روتر

رحلة الدون روتر للحج


الدون روتر، شاب انجليزي من محافظات بريطانيا الجنوبية، اظهر منذ صغره شغفا بكتب الرحالة الى الجزيرة العربية

قرأ روتر رحلات بيركهارت و بيرتون و بقية مشاهير الرحالة الى هذه البقعة من العالم

التحق بالجيش البريطاني عند اندعلاع الحرب العالمية الاولى، بعد انتهاء الحرب عاد يستأنف اهتمامه بجزيرة العرب وما كتب عنها

كان يخطط لزيارة مكة ولتأهيل نفسه لهذه المهمة درس العربية وعمل في الملايو - ماليزيا - حيث تستوطن جالية كبيرة من حضرموت

باختلاطه معهم تمكن من اتقان اللغة العربية، عاد منها عام ١٩٢٤ وكان لا يزال في خاطره حلم زيارة مكة المكرمة

توجه روتر الى مصر و اختلط بالمصريين تعايشا و محادثة حتى شعر انه واحد منهم، واتقن شعائر الاسلام

رتب روتر رحلته لمرافقة نور الدين الشرقاوي، وهو شاب من اهل مكة تعرف عليه في القاهرة في رحلته الى الديار المقدسة

لم يبتسم له الحظ حيث توفي الشاب المكي قبيل ايام من موعد الرحلة

في نفس الوقت من مايو عام ١٩٢٥ وقبل ثمانية اشهر كان ابن سعود قد انجز توحيد مكة المكركة و دخلها محرما

انتصر ابن سعود في الصراع مع آخر حكام الاشراف في الحجاز، وعندما وصل روتر الى مكة، كان ابن سعود يحاصر جدة

زاد تصميم روتر على المضي في رحلته رغم الاجواء الغير مواتية حيث كانت كل موانئ الحجاز محاصرة او مهددة بالحصار بسبب الحرب

السفر بحرا الى الحجاز كان محفوفا بالمخاطر، قرر روتر ان يتفادى التوجه مباشرة الى جدة وبدلا منها انطلق في رحلته من السويس

لم تكن عناك سفن بحرية تغادر الى جدة بسبب الحرب بين ابن سعود و شريف مكة، حتى قيل انه لم يحج احد ذلك العام من مصر

قيل له ان بعض الحجاج المغاربة و الجزائريين و الاتراك سيتوجهون الى مصوع و منها الى القنفذة التي كانت تحت سيطرة ابن سعود

غادر روتر عام ١٩٢٥ على متن زورق متجها الى بور سودان ومنها الى مصوع على الشاطئ الغربي من البحر الاحمر، وهي ميناء اريتري

فيها عرف نفسه على انه اصلا من دمشق ولكنه عاش زمنا في في مصر، ورافق الحجاج الحجاج المغاربة و الاتراك الى ميناء بور سودان

عرف روتر من بحارة هناك ان الملك على شريف مكة استسلم للسلطان عبدالعزيز، وهذا الخبر اسعد الحجاج

ابحر الزورق من بور سودان الى ميناء مصوع، وكانت مبانيها بدائية من الطين و الحجر ومتناثرة بلا تنظيم

علم انه هناك حجاجا يستعدون للسفر الى مكة، تعرف روتر على مطوفين وعبر لهم عن رغبته في الحج، قررا ان يصطحباه مقابل ٧ جنيهات

غادر الزورق الميناء و كان قائد الزورق يحمل علما ايطاليا كان سيرفعه لو واجه قوات شريف مكة التي قيل انها في الليث

كان روتر ينام قليلا في النهار ويبقى يقظا طوال الليل، كان اكلهم على متن الزورق اللحم، و قليل من دقيق الذرة

في اليوم الخامس للزورق هبت عاصفة هوجاء تقاذفت الزورق و تحطم الساري وجرف متاع روتر وكان فيه جوازه الانجليزي

في اليوم الثامن، تراءت لربان الزورق الارض و بدأ الركاب بالتلبية، رسى الزورق في القحم في عسير في الاول من ذي الحجة عام ١٣٤٤ للهجرة

كان سكان القحم يسكنون الاعشاش، وكان المسجد هو المبنى الوحيد بالحجارة، استأجر منها جمالا مع بعض رفاقه في الزورق

هنا طلب منه المطوف جنيهين اضافيين نظرا لزيادة تكلفة التنقل من الزورق الى الجمال، ولما اعترض روتر لان ذلك كان يخالف الاتفاق

صرخ فيه المطوف قائلا: ان لم تدفعها سآخذها بالقوة يا كلب، يا يهودي يا نصراني، هنا قرر روتر ترتيب رحلته منفردا

غادر المطوف مع رفاق روتر وبقي هو يوما في القحم، ورافق قافلة تحمل الدخن الى البرك مع تاجرين من مكة

اثنى روتر على كرم سكان البرك فهم ودودون و كرماء جدا، كان حاكمهم آنذاك علي بن عبده وقال له التاجر انهم احسن من قابل في جنوب الجزيرة

تحرك من البرك الى القنفذة وكانت مؤونتة من الارز و الماء و العدس و البصل و التمر و الشاي و السكر

وصل فجرا الى امق، ثم مروا عصرا على انقاض قرية حلى، التي قيل انها حامية عسكرية لابن سعو، ولكنه لم ير احدا فيها

وصلت القافلة الى القنفذة وفيها تعرضت القافلة لاول مرة لتحري رجال الامن السعوديين لمعرفة ما تحمل وجنسية افرادها ووجهتهم

لاحظ احد افراد الامن السعوديين احد افراد القافلة يطفئ سيجارته فقال لخ: اخس! نتن! انت مسلم ولا كافر؟

قدم روتر وصفا للقنفذة ومينائها و مساكنها و سوقها و مساجدها، قيل لروتر ان القنفذة سقطة بالكامل في يد سبعة جنود سعوديين

قام له احد سكان القنفذة انهم ينعمون بالامن و الرخاء تحت سلطان ابن سعود اكثر مما كانوا تحت حكم شريف مكة

قرر روتر التخلف عن القافلة ليستريح يوما في القنفذة وفي اليوم الثاني رحل الى الليث مع قافلة مكيين من ٢٠ شخصا متجهة الى مكة

في الليث تعرف روتر على مطوف عرض عليه خدماته فزوده بتوصية لمطوف آخر في مكة لينزل عنده

غادر روتر الليث و بعد رحلة شاقة وصل الى وادي يلملم ومنها يلبس الحجاج الاحرام، فاخرج روتر احرامه ولبسه وبدأ بالتلبية

واصلت القافلة رحلتها الى مكة، وعندما توقفت القافلة للمبيت خارج مكة، وفي اليوم التالي دخلت القافلة مكة عن طريق زقاق ابي بكر الصديق

قال روتر: كنت ارتجف من البرد باحرامي وكنت نصف جائع وضت علي مدة لم اغتسل وكنت متعبا بعد اسبوعين من السفر

نسي روتر التعب وهو يتجول في شوارع مكة، كان الطريق الترابي يتموج صعودا و هبوطا حتى قاده الطريق الى السوق الصغير

ترجل روتر قرب باب العمره حيث مسكنه، وبعد ان انزل حقائبه، غادرت الجمال و اختفت في الظلام وبقي وحيدا في شوارع مكة لا يعرف احدا

نظر حوله فاذا بالناس نيام على سرر، صاح في اذن احدهم فانتفض واقفا و قدم له كتاب توصية المكي، قفرأه واخذه الى غرفاه المخصصة

ارتمى روتر على السرير، فاتاه رب المنزل بالقهوة مرحبا به وقال له ان اذان الفجر قريب وانهم سيتوجهون للحرم للصلاة و الطواف

وصف روتر لحظات دخوله الحرم من باب العمره ووصف المسجد الحرام و القباب و الاقواس و الاسطوانات

استيقظ روتر من تأملاته على صوت المطوف يقول: انظر، هذا بيت الله المقدس، وكان شعوره مرتفعا وهو يرى الكعبة لاول مرة

اكمل صلاته وطوافه و سعيه وهو يردد الادعية خلف مطوفه وقدم وصفا دقيقا للحجر الاسود و المقام و الملتزم و زمزم

فيما كان الحلاق يقص شعره، كان روتر يتأمل المسعى حيث اصطفت على جنباته حوانيت صغيرة مسقوفة من المروة حتى دار العباس

لم تكن الشوارع مرصوفة وكان الناس يتسوقون من دكاكين المسعى وسط الغبار، وسمع لاحقا ان السلطان عبدالعزيز امر برصفها بالحجارة

تسلح روتر بما يحتاج لاداء الحج من اتقان اللغة و معرفة الشعائر وحرص على ادائها كما يفعل المسلمون وحمل اسم احمد صلاح الدين

مع بدء الحج، استقل مع مطوفه جملا عليه شقدف لحملهما منطلقين من منزلهما قرب باب العمرة

واصل منها الى وادي محسر، ويسمى بوادي النصر، حيث لقي اصحاب الفيل حتفهم بما ارسل الله عليهم من طير ابابيل

من وادي محسر، دخل الى مزدلفة، بعدها وصلوا الى المأزمين الذي يفضي بعد ثلاثة اميال الى صعيد عرفة

وصف روتر ما عليه مدخل صعيد عرفة وجبل الرحمة، وعند الصخرات اسفل الجبل محراب يشير الى موقفه صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع

نقل روتر ما هو شائع من مكان مصلى آدم فوق جبل الرحمة حيث لقنه جبريل عليه السلام الصلوات

وصف ما رآه في سفح جبل الرحمة جموع من فقراء حجاج افريقيا و الهند و الملايو جاؤا يعرضون بضائع صغيرة

جنوب الجبل تقع السوق في خيام متراصة تبيع اللحوم و الخبز و الخضار و اطعمة اخرى، و يمكن رؤية الدخان يباع ايضا

لاحظ روتر ان عدد حجاج نجد فاق عددهم جميع حجاج البلاد الاسلامية، وقدر عدد الواقفين في صعيد عرفات آنذاك ب ٧٠ الفا

لاحظ روتر ايضا عدم وجود مقبرة في عرفات، فمن يموت في عرفات يومها يدفن حيث مات

وصف ايضا نفرة الحجاج بعد مغرب يوم عرفة الى مزدلفة ماري على المأزمين منهم الراكب و الماشي

قال ايضا: "كنت ارى رجال البوليس السعودي يراقبون النفرة و يمنعون تداخل الركاب مع المشاة كما يحمون الحجاج من السراق

في يوم عيد النحر شاعد شخصا يجري ويده قد قطعت و الدم يتدفق منها بعد ان اقامت عليه السلطة السعودية حد السرقة

وصف ايضا توقفه في مزدلفة ليلة العيد حيث استراح و جمع الجمرات لرمي العقبة، وواصل بعد طلوع الشمس الى منى حيث رمى العقبة

لم تكن الايام التي قضاها في مكة مزعجة ولانه اول اوروبي يؤدي الحج والحجاز تحت امره ابن سعود، فقد اتيح له اللقاء به

التقى روتر الملك عبدالعزيز عام ١٩٢٥، حيث استقبله بود و مجاملة ظاهرين، وكان اعجابه بابن سعود و عظمة شخصيته كبيرين

كان عمر الملك عبدالعزيز آنذاك ٤٥ عاما وعندما دخل عليه خيمته لتهنئته بالعيد، كان الملك عبدالعزيز متناسق البنية عملاقا

لم يكن يلبس ملابس مبهرجة، ولم يكن يحمل سلاحا، كان يرتدي فوق ثوبه البسيط مشلحا و غترة صفراء وكوفية من القطن

كانت قدماه عاريتين، فقد خلع حذاءه عند السجاد. كانت تعلوا وجهه ابتسامة انيسة وعلى عينيه نظارة سوداء تقيه وهج الشمس

كان يقف كلما دخل عليه ضيف لتحيته. قال فيه "ان هذا الاسد الذي خاض غمار العديد من المعارك وساد اكثر من نصف الجزيرة العربية ..

.. يقف بثبات يحي مهنئيه ولا يفرق بين امير و عامي من الناس، لا حدود لطموحه، صلبا مع خصومه، وعند النصر هو اكثر انسانية"

بعد ظهر يوم العيد، اكترى روتر حمارا حمله الى مكة لطواف الافاضة ووجد الكعبة و قد اكتست بثوبها الجديد

لم تأتي الكسوة من مصر ذلك العام، بل كساها الملك عبدالعزيز حلة من الوبر من الحسا خيطت بسلوك الذهب من مكة

عاد روتر الى منى للمبيت و اكمال نسك بقية ايام التشريق، وفي اليوم التالي حمل امتعته متوجها ومتعجلا الى مكة

عقد روتر فصلا في كتابه يصف فيه حياة اهل مكة اليومية وفصلا آخر للحديث عن المسجد الحرام و الكعبة المشرفة

كان الدخول الى الكعبة مستحيلا ولما فتح الباب، اخرج مجيديا من لفافة ملابسه و رفعها فوق رأسه

ولما رآه الواقف على الباب مد يده الى روتر وجذبه الى داخل الكعبة، و عرفه داخل الكعبة على مكان سجوده صلى الله عليه و سلم

طلب منه النقود، فاخرج روتر ٥ قروش، ثم تركه الرجل يصلي، وقاده بعدها الى الركن الشامي فاعطاه النقود و صلى ركعتين

رغم ظلام جوف الكعبة، فإن القليل من الضوء القادم من باب الكعبة مكنه من تقديم وصف شامل لما رآه

ابواب الحرم كانت ٢٤ بابا و شرح خصوصية بعض الابواب والى اين يؤدي مخارجها، كما وصف بناء المسجد و مناراته السبعه

وصف ايضا دور الغوات و أئمة الحرم ووعاظه الذين بلغ عددهم اكثر من ١٠٠، اضافة لمائة مدرس و ٥٠ مؤذنا ومئات الكناسين

قدم روتر وصفا لآثار مكة وفي مقدمتها مكان مولد النبي صلى الله عليه وسلم في شعب علي قرب سوق الليل

وايضا مكان مولد السيدة فاطمة الزهراء بنت النبي صلى الله عليه وسلم في زقاق الحجر

كان وجود روتر و كتاباته امتدادا لرحالة اوروبيين قبله ممكن كتبوا عن سيطرة آل سعود على الحجاز واولهم ليبلخ الاسباني

كان لقاء روتر الثاني مع الملك عبدالعزيز في الحميدية التي كانت قاعة استقبال تطل على باب ام هناك في الحرم الشريف

قال فيها: "توقعت ان يخضعني الملك عبدالعزيز لتحقيق كما فعل محمد علي باشا مع الرحالة بوركهارت، لكن الملك عبدالعزيز ..

.. لم يوجه لي سؤالا واحدا، واستنتجت ان سلوكي ارضى من يراقبني" ابلغه محرر احد الجرائد ان الملك سيجلس في الحميدية

توجه روتر الى مجلس الملك وقدم على انه صلاح الدين الانجليزي و اشار الملك عبدالعزيز الى ان يجلس الى جواره في الديوان

استفسر الملك بادب عن صحة روتر ثن بدأ بالحديث عن عيسى عليه السلام و التبي محمد صلى الله عليه وسلم

عرض روتر على الملك نيته الكتابة عن نشاطه، فشكره الملك، ثم وقف الملك و غادر في سيارة تنتظره الى قصر السقاف في الابطح

قام روتر بعدة زيارات لقصر الملك عبدالعزيز، وشهد مبايعة اهل مكة له ملكا على الحجاز في احتفال اقيم جهة باب الصفا 

تعرف روتر على عبدالشكور والذي كان يرافقه في جولاته في مكة وكان في الخمسين من العمر ولم يسافر خارج مكة الا الى الطائف

حتى ان عبدالشكور لم يسافر الى جدة في حياته، ومن المألوف ان المكيين لو يكونوا كثيري الاسفار

وصف روتر الحياة فترة الحج، وعادات السكان و تقاليدهم معتمدا على جديته في الحياة كحياتهم منذ اللحظة الاولى

كانت معاملة المكيين جيدة له وكانوا اكثر لياقة و اكثر كرما في التعامل مقارنة بباقي المدن الاسلامية التي زارها

اكتملت سيادة ان يعود على منطقة المدينة المنورة بعد استسلام حامية المدينة، و استسلمت جدة بعد ذلك باسبوعين

خوج الشريف علي منها مؤذنا بانتهاء حكم الاشراف و اصبح تالطريق الى زيارة المدينة المنورة آمنا، وكان الهدف الثاني لرحلته

قرر روتر ان يقدم زيارة الطائف اولا التي كان يتشوق اليها، فرافق احد رجال عتيبة. ولبس عباءة و غترة و عقالا شانه شأن اهل البادية

وجد روتر الطائف مهجورة تقريبا بسبب الشتاء و بسبب المواجهات بين جيش ابن سعود و الاشراف، و انتهت بهزيمة الاشراف و الانسحاب

في الطائف استمتع باجوائها الرائعة ووديانها الجميلة ثم غادر الطائف بعدها عائدا الى مكة

شهد روتر شهر رمضان في مكة حيث تطلق مدافع جياد طلقات مؤذنة بالسحور وبعدها بساعتين طلقات مؤذنة بالامساك

عادة ما تزدحم مكة بالمعتمرين و الحجاج الذين يصومون في رمضان و يمكثون في مكة الى موسم الحج

تجهز روتر في مكة للسفر الى المدينة في رفقة اثنين لكن الحمى داهمته و اشتد عليه المرض وكان مضيفوه يمرضونه

كرر روتر قراءة آية الكرسي وتهللت اسارير رفاقه الذين يرون انها جواز السفر لعالم الاسلام الداخلي و مفاتين لقلوب المسلمين

لما شفي من الحمى كان الضعف قد دب في جسمه ورغم ذلك اصر على المضي في رحلته فطاف طواف الوداع

خرج روتر من باب الوداع و استقل قافلة مع واحد من كبراء الحج المصري و كان ذلك آخر عهد له في مكة، اغرب مدن العالم

مرت القافلة و القى نظرة على آخر بيوت جرول ثم مر الى سهل الشهداء و منها الى العمرة

عند العشاء وصل الى قبر ام المؤمنين ميمونة رضي الله عنها وقد بني قرب قبرها مسجد،

قال: "رأينا آثار قبة كتانت عند القبر و قد هدمها "الوهابيون" مؤخرا"

استراحوا ليلتهم في الوادي و عاودته الحمى و شعر بضعف قوته بل وشيئا من فقدان الوعي، في الصباح تحسنت حالته و غادرت القافلة

توقفت القافلة قرب بئر في عسفان ثم واصلوا الى خليص وفيها بقيت القافلة الى منتصف اليوم التالي ومنها واصلوا الى القضيمة

واصلت القافلة رحلتها طوال منتصف الليل الى ان وصلوا الى رابغ فجرا، وهي مهمة لان مينائها هو الثاني بعد ميناء جدة

واصلت القافلة طريقها الى وادي الحمرا مارة على مستورةو بئر الشيخ و بئر حصاني، و غادرت القافلة ظهر اليوم التالي

كانت شمس الظهيرة حارا جدا و يزيدها حرا الطريق الصخري و الجبال الذي سارت فيه القافلة

قبيل الفجر، كانت القافلة تسير في واد ضيق و توقفت بعده عند بئر الخلص وكان المكان اسوأ مما واجهه الرحالة

كانت الحرارة خانقة بين تلال صخرية ضخمة، احاطت بالوادي من كل مكان منطقة جرداء بلا اشجار ولا طير ولا حيوان

اجبرت الحرارة الحجاج على التكور داخل شقادف الجمال، وكانت الحرارة كما وصفها روتر لا تحتمل

بعدها غادرت القافلة الى بئر عباس و منها الى بئر درويش، وفيها استقبلهم صبية مرحبين بزوار النبي محمد صلى الله عليه وسلم

كان دخول المدينة عن طريق عروة، وسط ارتفاع الاصوات بالصلاة على النبي محمد صلى الله عليه و سلم، دخلت القافلة من باب العنبرية

استقبلهم المزورون يقود كل منهم ما يخصه من الزوار، ترجل الرحال ومشي على الاقدام الى المناخة الواقعة بين سور المدينة و داخلها

قال روتر: "عندما دخلنا الى المدينة انفجر امامنا منظر القبة الخضراء الجميل حيث اقيمت على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم

مع خيوط الشمس الاولى، شكلت القبة الخضراء و المنارات البيضاء المنتطاولة من جنبات المسجد منظرا جميلا و عظيما

حمل روتر امتعته لدار الزوار و كان موقعها في السوق حيث دخل الى غرفته في الطابق العلوي وقدمت له القهوة والتبريكات بالزيارة

كان وصول روتر للمدينة في شهر ذي القعدة حيث خلت من الحجاج الذين غادروها الى مكة. توضأ ولبس ثوبه وتوجه للمسجد النبوي

دخل روتر المسجد من باب السلام، ابلغه مضيفه ان يضع يده اليمنى على اليسرى فوق صدره وان يدخل بالرجل اليمنى

مشى فوق سجاد فرشت فوق رخام وعلى يمينه جدار من الرخام كتبت عليه آيات قرانية ورسوم جميلة وعلى يساره حاجز نحاسي

بعد تحية المسجد، ردد خلف مضيفه عند المواجهة السلام على النبي صلى الله عليه وسلم ثم عرض وصفا دقيقا للمسجد من الداخل

كان عدد الاسطوانات يومها ٣٢٠ اسطوانة منها ١٦ داخل الروضة

في باحة المسجد الشماليه حديقة صغيرة بها نخلة و شجيرات يقال انها حديقة لفاطمة بنت النبي وبها بئر ماؤه حلو يسمى بئر النبي

تحدث روتر عن محراب النبي و محراب عثمان جهة القبلة ومحراب السليمانية غرب محراب النبي ومحراب التهجد في الجهة الشمالية

عدد روتر الاماكن الاثرية التي تزار ومنها شهداء احد، قبة السبق اسفل جبل سلع، ومسجد قباء

تحدث روتر عما سمع عن ما بداخل الحجرة النبوية وزار البقيع و شهداء احد ثم عقد فصلا وصف فيه طوبوغرافية المدينة المنورة

كان امير المدينة آنذاك ابراهيم سالم بن سبحان، من طرف ابن سعود، وصف حدودها و احيائها وشوارعها وبساتينها وجبالها

جاء على شيء من تاريخها ومصدر مياه الشرب - عين الزرقاء - و كل بيت في المدينة داخله بئر وبجواره حوض للاستحمام

كان امير المدينة ابن سبحان يعاقب مدخني السجائر بسحبة من ذقنه في شوارع المدينة ثم الجلد بالجريد ٥٠ جلدة في المناخة

عرض لبعض العلماء الذين كانوا يلقون دروسا في الحرم النبوي و منهم ابن تركي و احمد طنطاوي 

في شهر ذي الحجة، شاهد تدفق القوافل المتأهبة للسفر الى مكة، اشترى روتر تمرا هدية لاصدقائه في القاهرة

انطلق مع احد القوافل الى باب العنبرية وفيها ودعه مضيفه متمنيا له العودة سالما الى بلاده

صلى روتر المغرب في عروة و منها انطلق الى بئر درويش ووصلها بعد ١٦ ساعة من السير المتواصل

توجهت القافلة الى وادي الصفرا و منها الى قلعة الحمرا فبئر سعد وبعد ساعتينو ،صلت القافلة الى جبال رضوى

بعد سفر شاق، تراءى البحر، ومشت القافة بموازاة البحر الى ان وصلت الى ينبع وشرقيه ظهر جبل رضوى شامخا

دخل روتر بوابة ينبع آخر ايام عيد الاضحى و اهل ينبع ما زالوا معيدين بملابسهم الجديدة و يتجمعون في المقاهي و يتسامرون ويدخنون

كان حاكم ينبع بعيدا عن التعصب وان من عادة علية القوم تدخين الشيشة، بعضهم يستأجر خادما يحمل له الشيشة اينما ذهب

وبعد ان سكن في فندق صغير مطل على الميناء، بدأ يبحث عن احد معارفه في ينبع اسمه ابراهيم ادهم، وهو سوري يعمل خادما في الحكومة

فرح ابراهيم للقاءه و ساعده في الحصول على جواز سفر بدل الذي ضاع،

في اليوم التالي رست السفينة "المنصورة" وهي من سفن البريد الخديوية المصرية وكانت مسافرة الى بور سودان

صعد اليها في وجهته للخرطوم ومنها الى القاهرة. واول ما قام بعمله هو حلق لحيته و لبس ملابسه الاوروبية

قال روتر: " لاول مرة منذ مدة طويلة اكل طعامي بالشوكة و السكين، بعدها عدت الى قمرتي لالقي آخر نظرة على اراضي الجزيرة العربية .. انتهى

Friday, September 4, 2015

رحلات محرمة - الكونتيسة مالميجناتي

الكونتيسة مالميجناتي

عاشت الرحالة الكونتيسة مالميجناتي  في دمشق تتهيأ لرحلتها داخل الجزيرة العربية، استأجرت بيتا بعيدا عن القسم الاوروبي

كان هدفها دراسة الجزيرة العربية و عادات العرب حاضرة و بادية، اتفقت مع مالكة الدار المستأجرة ان تعد لها الطعام

قالت مالميجناتي: "كان يزعجني القبقاب الذي يصدر صوتا مزعجا وهي تتنقل داخل المنزل طوال اليوم و اقتصر طعامي على الارز و البيض

من وسط دمشق كانت ترصد ما تراه بين الحضو ر البدو. من الغريب ان سكان دمشق كانت تربطهم بعض روابط القربى

كانت ترصد عادات الناس في ملابسهم وفي لباسهم الفاخر وهم يحضرون المناسبات، وفي احيائها و تعاملاتهم في اسواقها الثلاث

كل ما كانت تراه في دمشق جميل و يشجعها للسير بلا كلل او ملل مرتدية الملابس العربية

لا احد يتعرض لها في شوارع دمشق باي نوع من المضايقة، كانت ترصد النساء متغطيات لاخمض اقدامهن يتنقلن على الحمير

رصدت مالميجناتي انتضار السمنة بين النساء، فهم يرون في السمنة اساسا من اساسيات الجمال

تنقلت مالميجناتي بين ضواحي دمشق وخاصة الى دوما والتي تخللها افرع نهر بردى الخميس وكان المكان مفضلا لخرجات السوريين

ذكر لها ان القرويين خارج دمشق اخطر من البدو و ان بعض الاوروبيين تعرضوا للاحتجاز و سوء المعاملة في طريقهم الى تدمر

تعرضت مالميجناتي لمثل هذا عندما كانت في طريقها الى تدمر ولم ينقذها منهم الا طلقات مسدسها، تفرقوا عنها وعادت الى دمشق بسرعة

استعدادا لرحلتها الى الجزيرة العربية، عرض عليها بائع الجمال محمد البسام مرافقتها في الرحلة، و اتفقت معه على زيارة تدمر اولا

قالت مالميجناتي: "سرني ان وجدته مسنا و محترما من البدو وكنت ارغب ان اغريه لمرافقتي في رحلتي الى الربع الخالي"

قالت ايضا: "كنت اتسائل مالذي يغريني في الصحراء و كنت اجيب ان هناك مدنا مدفونة تحتها وهناك اطلال و نقوش اثرية قديمة"

اتفقت مع الباسم ان يشتري لها ثمانية جمال لنقلها الى تدمر، اشترتها ب ١٢ جنيها للجمل الواحد، 

اقترح عليها البسان ركوب الفرس لان اهل البادية يقدرون من يأتيهم على فرس

توجهت مالميجناتي الى سوق دمشق لشراء لوازم الرحلة من خيام و تموين و اداوات طبخ و قهوة و بنادق

خشيت مالميجناتي ان لا يسمح لها والي دمشق برحلتها الصحراوية اذا علم بها، لذا قررت اخفاء نواياها

كان الانطلاق عام ١٩٢٥ الى ادرا على حافة الصحراء السورية، غادرت وحدها كما لو كانت تريد القيام بنزهة، وكانت قد ارسلت متاعهاقبلها

عرض عليها الدكتور خليل - وهو طبيب متعلم من الجامعة الامريكية - مرافقتها، ورتبت احتياجاتها المالية ومع ما اخذت من نقد

دخل شهر رمضان ورأت تدفق الحجاج في طريقهم للالتحاق بالركب الشامي بعد عيد الفطر،

وصلت مالميجناتي الى ادرا و كانت في ضيافة صديق البسام و تعرفت اكثر على حياة نسوة البدو ممن التقت بهم و شاركتهم احتفالاتهم

على مقربة من خيمتها كانت ترى حركة دائبة في مخيم لبدو قبيلة الرولة و ارسلت لشيخ مضارب الرولة تستأذنه في زيارة مخيمه

توجهت مالميجناتي مع مرافيقيها و استقبلها الامير سلطان الطيار امير قبيلة الرولة في خيمته 

دار حديث حول الخيول و بعض الغزوات و طرحت على مالميجناتي اسألة عن اوروبا و دعاها الامير للعشاء و ذبحت الذبائح

شويت الذبائح امام الخيمة و قدمت مع القرصان، بعدها نظم الامير رقصة و اضيئت الشموع حول الخيام

قرع طبالان بطبليهما و خطت نسوة يحملن السوف و يرقصن ببطء و يحركن سيوفهن يتبعهن الطبالين و هن يقفزن و يرقصن

قالت مالميجناتي ان لو قدمن عرضا كهذا في اوروبا لكسبان منه كثيرا من المال،

بعد ثلاث ساعات من الرقص انصرفن و جاء مكانهن جديدات يواصلن الرقص، وبعد انتهاء الرقص دعا الراقصات لمشاركتنا العشاء

قضت مالميجناتي اربعة ايام بجوار مخيم الرولة و كانت محل حفاوة و احترام و تكريم و كان الجميع ينادونها بالاميرة

ختمت ايامها بجوار مخيم الرولة بحفل تكريم اقامته للامير و قدمت خلاله هداياها، انتقل بعدها الرولة متجهين الى صحراء الحماد

عرض عليها الامير سلطان البقاء معهم و اعطى اوامر بتلبية جميع احتياجاتها، احست معهم مالميجناتي بانها وسط اهلها

رأت في حياة البداوة البساطة، ما انظفهم من اناس فخورون و اقوياءو قلوبهم برقة قلوب الاطفال ولا يعرفون الغلو في الدين

شدت الرحال مع قافلة الرولة الى ان وصلت الى الحدود الشمالية لصحراء الحماد الكبرى، ووصفت كيف تضرب الخيام و عمل النسوة

النساء يحلبن و يستخرجن الزبدة و يعملن الطعام و يقتصر عمل الرجال على عجن الدقيق و يقضون باقي الوقت في التدخين و الاحاديث

دخلت القافلة الصحراء عند آبار امبحارة من منازل الرولة وكانت المراعي ما تزال خصبة ولكنهم كلما توجهوا جنوبا يزيد الجفاف

كانت الخصومات تعرض على امير الرولة و يفصل بينهم، كانت تصله اخبار الحروب بين البدو او بين البدو و الاتراك

بعد يومين من الراحة واصلت القافلة رحلتها في الصحراء حيث الفضاء اللانهائي ولا شيء حي في الصحراء التي تبدوا بلا نهاية

كانت القافلة تقطع ٦٠ ميلا يوميا، كانت الصحراء رتيبة مملة الا انها كانت كالبحر دائمة التبدل

شهدت مالميجناتي غزوة قبيلة الرولة لاحد خصومها، و تلا نهاية المعركة حفل عشاء فخم قدم فيه اطباق الدجاج و اللحوم المشوية

 عطرهم الامير من مرش حمله اليه احد خدمه ثم تلا ذلك القهوة فالنرجيلة التي تناوبوا في تدخينها، ثم بعد ذلك رقص الرجال و النساء

علم الامير بقدوم شاعر لا يعرف من اين اتى فاستقبله بفرح عظيم حيث نظم الشاعر تفاصيل الغزوة و امتدح شجاعة الامير في المعركة

طويت بعد ذلك الخيام واستأنفت القافلة سيرها في الصحراء و كان الحر شديدا، وطوال خمسة ايام لم تعثر القافلة على بئر ماء

مضت سبعة ايام على الجمال بدون شرب، تدريجيا بدأت تظهر الحشائش على الارض وبدأت معالم طرق القوافل تظهر

التقى الامير بعائلة من الصلبة قصوا على الامير بعض اخبار الاقتتال في الداخل ثم توقفت القافلة بجوار مخيم لقبيلة الشرارات

ذهبت مالميجناتي مع الامير لزيارة شيخ قبيلة الشرارات، فاجأهم وجودها ولم يميزوا ان كانت رجلا ام امراة

واصلت القافلة الى وادي المستاري و سمعوا هناك عن اخبار اقتتال في حائل. كانت وجهة الامير سلطان الى مدينة الزلفي في نجد

مضت على بدء رحلة مالميجناتي شهرين قطعت خلالها ٩٠٠ ميل وبقي امامها نفس المسافة للوصول الى الربع الخالي

في الطريق شهدت حفل زفاف اقيم في الصحراء ووصفته بالمثير برقصاته و استعراضات خيله و اطلاق النار فيه وموائده

واصلت القافلة في الصباح سيرها في اتجاه الجنوب الشرقي غبر صحراء الظلمة او الدلمة و منها وصلوا الى الزلفي

كانت مباني الزلفي من الطين الجاف، نصبت القافلة مخيمها خارج المدينة و خرج اليهم وجهاء الزلفي و تجارها لتبادل السلع

كان المكان غير جذاب، القرية متسخة و اشجار النخيل فيها يعلوها الغبار ونظرات السكان لهم غير ودية تختلف عن نظرات البدو الذين عرفتهم

لما عرف اهل الزلفي بوجود مالميجناتي تكهرب الجو و توتر وجاء والي المدينة ومعه جموع من المواطنين للامير سلطان ودار نقاش حاد

علت الاصوات بينهم و ميزت مالميجناتي تكرار كلمة (رومي) وعرفت انهم يعترضون عليها قطع خطوة في اتجاه الجنوب

هدد اهالي الزلفي ان لم يمنع الامير سلطان مالميجناتي فسينضمون الى خصومه في حربهم ضده بهدف قتلها

تقرر بعد مداولات ان تغادر مالميجناتي مع قافلة صغيرة الى الدهناء و تلتقي مع الامير سلطان بعد سبعة ايام في الصفاة

تظاهرت مالميجناتي للزلفيين انها مريضة ولا تستطيع السفر. زودها الامير سلطان ببعيره وراحلته ورافقها البسام و خليل وبعض الحرس

رافقها حرس الامير لمسافة يومين لتطمينها وتاكيد خروجها من منطقة الخطر. و غادرت مالميجناتي عند منتصف الليل

توقفت القافلة فجرا لتناول القهوة و الطعام و افزعها رؤية الزلفي في الافق، وشعرت انها لا تزال في خطر

في ليلة سفرها وعند الفجر، افتقد البسام الخادم المرافق لها، وصح تخمينه فقد عاد ليلا الى الزلفي ليخبرهم بمغادرة الرحالة

لحق بها رجال من الزلفي ليعيدوها الى المدينة، تبين لها لاحقا سر غضبهم وتبين ان ما اثار السكان بعض ما نقله البدو في قافلتها

حيث زعموا انها كانت تعد لاجتياز الصحراء وجمع الذهب منها وتجييش جيش لغزوهم

 اعيدت مالميجناتي للزلفي ثم جهزوا لها قافلة رافقتها لضمان عودتها عن الزلفي آمنة

مرت مالميجناتي على بريدة حيث رميت بالحجارة عندما عرفوا انها مسيحية، و حرص الحرس معها على ان لا يصيبها مكروه

اخذوها لمنزل والي بريدة حيث سمح لها مواصلة السفر صباحا، وفي الصباح ودعها السكان كما استقبلوها بالحجارة

رافقها شيخ الزلفي الى الرس حيث هدد ان كل من يشيع انها مسيحية باشد العقاب و سلمها الى شيخ الرس

وصفت مالميجناتي معاملة شيخ الرس لها بالوقحة، حيث اخدت الى غرفة مظلمة قضت فيها ليلتها تتصارع مع الفئران

جائها في الصباح من يبلغها ان الحاكم امر بقتلها حال وصولها الى دمشق

في الصباح ابلغت انها ستغادر الى الحناكية بدون رفيقيها البسام و خليل على ان يرافقها شيخ الرس و حراسة مشددة

وصفت معاملتها خلال الرحلة بالقاسية فكانوا لا يسقونها ولا يطعمونها الا من فضلة ما يأكلون ويشربون، وكانت تتجاهل وقاحتهم

دخل موكبها وادي جرير حيث وجدت في بئرها قافلتها الصغيرة ومرافقيها البسام و خليل

رغم منعهما من الاقتراب الا انها نجحت في الحديث اليهم و ناشدتهم ان لا يبتعدا عنها كثيرا، وبعد اللقاء، تغيرت المعاملة للاحسن

لحق بها البسام عند مخيم لقبيلة العمارات من عنزه وصادف وجود معارف للبسام بينهم فحضروا اليها و قدموا لها قهوة و دجاجا و دقيقا

واصلت سيرها مع حراسها وفي الطريق اعمتهم رياح الخماسين التي امتزجت رمالها باسراب الجراد

كان من الصعوبة المضي قدما و الانسان يحمي وجهه و جسمه من الرمال و الرياح العاتية، وخفت المعاناة بعد اختفاء اسراب الجراد

توقفت في قرية المروية حيث استضافهما والي القرية فنامت لاول مرة على حصيرة ووسادة وتمنت ان لو طال مقامها في القرية

في الصباح واصلت رحلتها فصادفت قافلة للحجاج الفرس عائدين من مكة المكرمة وباتوا ليلتهم في العراء

وصلت القافلة الى الحناكية مغرب اليوم التالي وكان عدد سكانها آنذاك ٣٠٠٠ ولم يكن فيها نخيل

ما ان وصلوا حتى احاط بهم فتية من اهلها رافعين ايديهم يطلبون البخشيش، كان والي الحناكية خارجها في مهمة 

نصبت خيامهم خارج الحناكية ولم يسمح لهم بدخول قلعة المدينة الا باذنه، اصيبت مالميجناتي بخيبة امل

اخذت مالميجناتي لدار الحكومة و اخذت معلومات عنها و ارسلت الى غرفة قذرة لتقضي فيها ليلتها التي كانت الاسوأ في حياتها

قضت مالميجناتي الليل باكمله تتصارع مع الفئران و الخنافس و الصراصير و النمل، وفي الصباح كانت الغرفة مليئة بقتلى الحشرات

في الصباح غادرت مالميجناتي مع حراس جدد الحناكية و كانوا الطف في تعاملهم معها، حيث كانوا يدللونها و يقدمون لها الطعام اولا

وبعد مسيرة لبعض الوقت تغيرت الارض و ظهرت الازهار و غطت التلال، وتأخر السفر بعد المغرب لان رئيس الحرش اشرف في تدخين الحشيش

قضت ليلة اخرى في الواحة الهادئة تتناول عشائها دون مضايقة

في الليلة التالية و بينما كان احد الحرس يحضر الطعام قفز فجأة يبكي و يضحك في آن واحد ولكا سأالت مالميجناتي عن السبب ..

قيل لها ان العنكبوتة الذئبية قرصته وان علاجه بضرب الدفوف و الرقص حالا، استخدمت العصا للنقر على العلب و التصفيق

قام المريض بالقص بعنف حتى يعرق فيسيل السم مع العرق، فرقص حتى سقط ولكنه نجا من الموت، وتم قتل العنكبوتة بعد البحث عنها

وصلت مالميجناتي الى المدينة المنورة فدخلتها من باب الشام وكان عليها لبس لباس المسلمين قبل دخولها

ولشدة سرورها وجدت رفيقيها البسام و خليل حيث رتبا نزولها عند احد الوجهاء وودعت حراسها الذين لم يعترضوا انضمامها لرفيقيها

تجولت مالميجناتي في شوارع المدينة و كان خليل يقدمها على انها ابنة عمه

انتهت معاناة السفر لتبدأ معها معاناة الحمى حيث طرحتها في الفراش سبعة ايام، كان جسمها يؤلمها كما لو انها حصبت بحصاة

رغم مرضها كانت تخرج لتراقب جموع الحجاج من الصين و فارس و اليابان و الهند ومصر وبقية الاراضي العربية

زارت مالميجناتي مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم وقدمت وصفا دقيقا لما رأته في المسجد

مدخل الحرم النبوي من باب السلام و يحيط بالقبر الشريف سياج النحاس الجميل ووسط ساحتها بئر يقال له بئر النبي

كانت هناك ايضا نخلة يقال ان فاطمة الزهراء غرستها، وكانت شوارع المدينة حيوية بحركة الزوار العائدين من الحج

في انطباعاتها عن العرب قالت: كم هي بسيطة حياتهم، نظيفة معيشتهم آمالهم رفيعة وقوية مثل وجوههم قلوبهم طيبة كقلوب الاطفال

بعد الراحة، ابلغت خليل رغبتها في العودة الى دمشق ولحسن الحظ كان القطار سيتحرك خلال يومين ولم يكن هناك مسافرون كثيرون

استمتعت بقمرة كاملة لوحدها الا ان الحمى داهمتها ثانية وكانت حركة القطار تعذبها كثيرا

وصلت مالميجناتي اخيرا الى دمشق و كتبت: اكانت الاشهر الثلاث الاخيرة حلما، لو كنت فشلت او انهزمت لما حصلت على ثمرة المغامرة

سيبقى الربع الخالي هو هدفي القادم ……… انتهى

Tuesday, August 18, 2015

رحلات محرمة - رحلة آرثر وافل

تلقى آرثر وافل تعليمه في ونشستر و ساندهرست و عمل في فرقة ويلز العسكرية و عمل عام ١٩٠٤ لبلاده في سويسرا و ما جاورها

استقر وافل بعد تركه للعمل في شرق افريقيا متنقلا بين بتسوانالاند و منطقة الزمبيزي

سرعان ما لبى إغزاء البلاد العربية للسفر و المغامرة و قام متنكرا بزيارة مكة المكرمة و المدينة المنورة عام ١٩٠٨ و عاد من تلك الرحلة سالما

عاد مرة اخرى الى البلدان العربية للقيام ببعض الاستكشافات منطلقا هذه المرة من الحديدة و منها الى صنعاء

احيطت حوله الشكوك في صنعاء و حوصر فيها و اعيد مرة اخرى الى الحديدة دون ان يتحقق له ما اراد

كتب عن رحلته في كتاب نشر عام ١٩١٢ و عاد بعدها الى شرق افريقيا حيث اندلعت الحرب العالمية الاولى و انتقل للخدمة العسكرية

قتل وافل في معركة في شرق افريقيا عام ١٩١٦

بعد مقدمة طويلة في كتابه الذي استعرض فيه تاريخ الجزيرة العربية و ظهور الاسلام و انتشاره فيها، شرح عن سبب اداءه للحج عام ١٩٠٨

كتب ان التخفي في هيئة حاج مفيد للمسافرين في البلدان الاسلامية، فهو اراد استكشاف الجزيرة العربية و التأقلم مع حياة العرب

اتفق وافل مع شخض من حلب يدعى عبدالواحد لمساعدته على رحلته للحج، اتخد من مسعودي مرافقا وهو خادم افريقي من ممباسا

اجتمع الثلاثة في مارسيليا في سبتمبر من عام ١٩٠٨، وكان الحج يقع في يناير من العام التالي

لم يسافر وافل الى الحج مبكرا فكان يرغب في قضاء بعض الوقت في دمشق ليقتنع بانتحال الشخصية قبل دخول البلاد المحرمة

كانت اولى العقبات هو الحصول على جواز سفر، وقد حصل عليه باعتباره مواطنا من زنجبار متجه الى مكة تحت اسم علي بن محمد

توجه الثلاثة الى جنوة في ايطاليا و منها الى الاسكندرية، و هناك تم اعتقالهم باعتبارهم مشبوهين بسبب حملهم للاسلحة

احيل امرهم للباشا حاكم الاسكندرية وكان الوقت في رمضان، وتم تفتيشهم مرة ثانية و تحمل عبدالواحد مسؤولية المخالفات

تم حجز امتعتهم في الجمارك لاستلامها في اليوم التالي عند ابحارهم الى بيروت

اول ما قام به وافل بعد وصوله للفندق هو حلق شعره ليبعد عنه شبهة الاوروبي

تغلب وافل على عائق اللغة بادعائه انه من زنجبار التي يتكلهم اهلها االلغة السواحيلية ولا يحسنون اللغة العربية

وعندما يقابل احد من زنجبار، يدعي انه ولد في مسقط و ان لغته هي العربية

استقل وافل سفينة متجهة الى بور سعيد حيث قضى فيها يوما و منها الى القدس التي كانت واقعة تحت سيطرة الدولة العثمانية

خضع وافل "للكرنتينة" وهو حجر صحي، و ادفع دولار رشوة لتجاوز الحجر الصحي

كان وافل خائفا لان السلطات التركية تدقق في دخول الاجانب الى اراضيها و تطلب منهم وثائقهم الاصلية

فوجئ وافل ببساطة الاجراءات و التفتيش السطحي، ووجدوا انفسهم احرارا يذهبون حيث يريدون داخل الاراضي العثمانية

وصف وافل مدينة دمشق بانها اكثر المدن جمالا و ازدحاما في الشرق كله، اسواقها تمتد لاميال و بها الف مسجد

لم يتحرك وافل الى المدينة الا بعد اشهر، فكان يقوي لغته العربية و يعمق معرفته بشعائر الاسلام و التعود على اللباس العربي

اهم شيء للمسافر الاجنبي المتخفي ان يكون ممثلا قديرا، ان يفتح عينيه جيدا و ان يغلق فمه، و ان يسافر فقيرا معدما

وقد شهد الرحالة في آخر يوم من رمضان شغبا في دمشق في الجامع الاموي الكبير

فقد كان احد (الوهابيين)، و اللفظ للرحالة، يعترض على زيارة المصليين لقبر النبي يحي الذي قيل انه كان مدفونا فيه

اعترض الوهابي على صيغ السلام التي سمعها، فضربه على رأسه عالم من علماء الحجاز، فأمر والي دمشق ان يعتقل العالم

في المساء تجمع حشد كبير امام قصر الحاكم، واقتحم التجمع القصر، وجاء جمع من الجند و اخرج الحشد من داخل القصر

استمرت اعداد الجموع في ازدياد و نشبت معركة بين الفريقين وفي منتصف الليل امر الحاكم باطلاق سراح العالم فحمله الجموع منتصرين

كانت الرحلة الى المدينة المنورة قاسية على الاغنياء و الفقراء سواسية و كانت الرحلة تستغرق ٤٠ يوما عن طريق القافلة

تجهز وافل بالاحرام و خمية و حصيرة و صحون و ادوات طبخ، وترك ماله عند تاجر في دمشق مقابل شيكين لوكيله في المدينة

تاخر سفر وافل بسبب عدم وجود مكان في القطار، الذي تم تشغيله بين دمشق و المدينة عام ١٩٠٨

تواردت انباء عن ثورة قام بها البدو فترة العيد و تؤثر على طريق السفر. تكلف تذكرة السفر الى المدينة ٣ جنيهات استرلينية

كانت العربة التي ساتقلها وافل في غاية الفوضى و الازدحام بالعفش و الركاب ولا متسف فيها لاي شيء

احضر وافل معه تموينه من المأكولات ولكن بسبب جو القطار المغبر، لم يستطع وافل تناول اي شيء

لم يستطع وافل النوم في القطار و داهمته الملاريا في ثاني ليلة في القطار، فافسح له الركاب مكان داخل المقطورة ليتمدد فيه

قدم له المسافرون ما لذ و طاب من طعام و فاكهة، و عرفانا منه، قدم لهم وابورا يمكن عمل الشاي فيه في دقائق

بعد ثلاثة ايام من السفر في القطار، وصل الى المدينة المنورة. كان هنام مظهر من مظاهر التوتر و اطلاق النار حول المدينة المنورة

كانت البدو غاضبين من القطار الذي افقدهم مصدر دخل مهم ذلك لانه اثر على نمط المواصلات و التنقل من الجمال الى القطار

كما تغير العثمانيون في تعاملهم مع شيوخ عشائر البدو على طريق الحج، فتوقفوا عن دفع المعونات التي كانوا يقدمونها لحفظ الطريق

لم يكن هذا القرار حكيما و توترت العلاقة بين قيادة العثمانيين في المدينة المنورة و قادة بنو علي في اطراف المدينة

اندلع القتال بين الفريقين و انهزم الجند النظامي العثماني الذي اضطر الى التحصن داخل اسوار المدينة، و جاءت النجدة من تركيا و الشام

استنجد بنو علي بالاعراب ضد العثمانيين مؤكدين انهم لن يتعرضوا للحجاج بسوء و ان مشكلتهم فقط مع الحكومة العثمانية

عند وصول وافل الى المدينة، كانت الحكومة قد حشدت اكثر من ١٠ آلاف جندي و ٢٠ مدفعية بينما حشد البدو ٢٠ الفا خارج الاسوار

قدر الرحالة عدد سكان المدينة ذلك الوقت ب ٣٠ الفا ينحصر مصدر رزقهم على خدمة الحجاج. فكانوا يعملون ٣ اشهر ولا شيء باقي السنة

الاغنياء من اهل المدينة يملكون المنازل و يؤجرونها للحجاج و الشباب فيها يعملون كمرشدين و اصحاب الدكاكين في البيع و الشراء

كانت مهمة المرشدين العناية بالحجاج و مرافقتهم في الزيارة و الطواف و كان بين المرشدين تنافس شديد في لفوز بالاثرياء من الحجاج

كان ينتجع على ذلك عراك بينهم، لذا تم نخصيص عدد حجاج كل بلد لكل منهم و جعلت لهم نظام للفصل بين خلافاتهم

كان على كل مرشد تعلم لغة حجاجه و عاداتهم و العمل على تقديم خدمات مرضية لهم

استأجر وافل حمالا للعفش و سار من محطة القطار الى بوابة السور الكبير و استأجر منزلا بجنيهين استرلينيين من رقيق حبشي

وصف وافل المسجد النبوي و حركة المصلين داخله و القبر النبوي الشريف و بناءه و الستائر على جدرانه و قبري ابي بكر و عمر

وصف ايضا الروضة و المحراب و الاماكن التي يطلب اليه النفل فيها، و عرفه مرشده بمعالم المسجد النبوي مقابر جنيه

كان يتعرض لاسئلة داخل المسجد عن اصله منهم من قال انه من فارس او، البصرة و كان يرد بانه درويش سائح لى وجه الارض

نصحه دليله ان يلبس لباس اهل المدينة ليتفادى الاسئلة، فكان يصلي في المسجد و بعدها يتجول مستكشفا

بعد ٣ اسابيع ازدحمت المدينة بالحجاج، فكان يقضي معظم الوقت في المسجد يتظاهر بالقراءة و يراقب الناس

كان عدد الحجاج يزداد كل يوم و يأتي حجاج جدد من الهند، جاوة، تركيا، اليابان، الصين، الملايو، بلوشستان و غيرهم

كان يسأل ان كان يستطيع دخول القبر الشريف، و ذلك ممكن فقط للاشراف من ذرية فاطمة الزهراء، و الاغوات الذين يخدمون القبر

سأل ما مصير من يدخل الى المدينة من غير المسلمين متخفيا، فقالوا له انه يقتل، والصحيح ان السلطات كانت فقط تخرجه من المدينة

لفت نظر وافل وجود بضائع اوروبية تباع في المدينة و اعلانات لشوكولاته و بسكويت صناعة انجليزية

بعد اسبوعين من مقامه في المدينة، تجددت الاشتباكات بين العثمانيين و البدو و كانت اصوات الطلقات تسمع في كل مكان

وبسبب حدة القتال، اضطر بعض الحجاج الى مغادرة المدينة بينما التزم الباقي منازلهم الى ان وصلت المناوشات الى اسوار المدينة

بعد ثلاثة اسابيع هدأت الحالة الحربية بعد ان مفاوضات بين الطرفين وبدأ الرحالة في التفكير بالسفر الى مكة

جهز ثلاث جمال و تحرك في قافلة من ٥٠٠ جمل في الصباح بعد فترة من الفوضى و انتظار تحميل الجمال

كانت حراسة القافلة جيدة بالاضافة الى ان الحجاج انفسهم يحملون اسلحة

تلقى وافل نصائع من صديق تعرف عليه في الرحلة وهو ان يضع عفشه وسط خيمته و ان ينام و عينيه مفتوحة و يده على السلاح

سمع وافل عن قافلة كانت متوجه الى ينبع اضطرت لاخد طريق مغاير بسبب اللصوص

عبرت قافلة وافلوسط البدو المعارضين للحكومة دون ان تتعرض لاي اذى رغم ان اصوات القتال كانت تسمع على اسوار المدينة

توقفت القافلة بعد منتصف الليل و كان الجو اقرب للتجمد، كان الجمالة يتجاهول البرد و يضحكون و يسمرون دون الشعور بالتعب

تحركت القافلة في الصباح التالي و تحول الجو من زمهرير البرد الى لهيب الحر، كانت القافلة تتعرض لاطلاق النار بين حين و آخر

في اليوم الخامس من الرحلة، وصلت القافلة الى ينبع بعد منتصف الليل، وبحث وافل عن سكن ملائم له ولصديقه

لم تعجبه ينبع، كانت قذرة و الماء فيها قليل، وفي صباح اليوم التالي بحث عن سفينة تقلهم الى جدة، واستقلوا سفينة يونانية

وصلت السفينة الى جدة في اليوم التالي بعد ان احرم الرحالة مع الحجاج بعد ان حاذوا ميناء الجحفة

ولانها قادمة من ارض عثمانية، لم يتطلب ذلك تفتيشا او اجراءات الجوازات. استأجر وافل غرفة بمطبخ له ولزميله

لاحظ وافل ان صاحب المطعم الذي تناول عنده الطعام مسيحي و ان في جدة عدد لا باس به من المسيحيين و اليهود

الماء في جدة نادر حالها كحال ينبع و تتفشى فيها الاوبئة و الامراض من كل نوع

توجه الرحالة الى مكة و توقف في بحرة ثم واصل مع القوافل التي تملأ الطريق من جدة الى مكة .. وقال وافل: "..

"لم نعد نسمع طلقات الرصاص، ولا رفع اصوات ولا غناء. الحجاج خاشعون و من الصعب ادراك شعور المسلم الحقيقي وهو يقترب من مكة"

بعد دخول حدود الحرم، بدأ الحجاج يلبون ولما دخل الى مكة تنفس الصعداء وهو يتجاوز صف المطوفين الذين يسألون الحجاج عن اسمائهم

 قضى وافل زمنا يتوجه للكعبة خمس مرات في اليوم وها هي امامه وهو على وشك معرفة اسرارها

اختار منطقة يسكنها الاثرياء العرب للسكن فيها لانه لا يتوقع ان ينزل فيها حجاج من زنجبار حتى لا يفتضح امره

استأجر منزلا بسبع جنيهات في الشهر مع الخدم، وكان صاحب المنزل كريما معه

اعد له صاحب المنزل الطعام و تناولوه على الطريقة الاوروبية بالشوك و الملاعق، و توجه بعدها مع عبدالواحد الى الحرم للطواف

كان انطباعه عن المشهد غير عادي ن مشهدا مهيبا و فريدا لا مثيل له في الكون و تأثيره خارق

بدأ وافل يعدد معالم المسجد الحرام و بناءه و بواباته الثماني عشر ووصف الصفا و المروة و عاد بعدها الى منزله متعبا و رجلاه متورمتان

كان عدد سكان مكة ٧٠ الفا و في ذروة الحج يصل العدد الى نصف مليون، كانت شوارعها واسعه و نظيفة و اسواقها مسقوفة

كانت اغلب البضائع مستوردة و كان الحجاج يحضرون بضائع من بلدنهم لبيعها

كان نظام الحكومة في مكة غريبا، كانت تحت السيادة العثمانية ولكنها كانت تحت حكم شريف مكة الذي كان يرى نفسه مستقلا

كان هناك مسجد آخر عدا المسجد الحرام في مكة، وصف وافل مناخ مكة و نظام شرب سكانها و مقاهيها و غير ذلك

تعرف وافل على زمزمي في الحرم و كان اعزبا وهذا غير مألوف. دعاه الزمزمي الى منزله للشاري مرارا في منزله المطل على الحرم

انصرف وافل في بقية ايامه لزيارة معالم مكة الشهيرة ومنها مقبرة المعلاة و مكان مولد الني صلى الله عليه وسلم ومكان مولد الخليفة علي

وزار دار السيدة خديجة ام المؤمنين الذي نزل اليه عدة درج لزيارة غرفه الثلاث، و تعذر  عليه زيارة مسجد ابي قبيس لصعوبة الوصول اليه

ونقل ايضا في كتابه الى ان اسفل المسجد الحرام - البدروم - مخصص للجن المؤمنين

تحدث وافب عن جريدة الحجاز المكونة من ٤ صفحات، ٢ بالتركية و ٢ بالعربية. و اشار ايضا الى عدم وجود بنك في الحجاز لانها محرمة

شهد وافل وصول المحمل الذي يحمل الكسوة الجديدة من مصر و التي تكلف اكثر من ٣٦٠٠ جنيه استرليني

شهد تغيير كسوة الكعبة و بدأ الاستعداد لشعائر الحج وسط مخاوف من انتشار لوباء الذي كان منتشرا في الحج الماضي

استأجر ٣ جمال و حمير و خيمة و خادما اضافيا. ووصف مسيرة الحج بدءا من يوم التروية في منى

سدت قوافل الجمال الشارع امام منزله ومر في الظهيرة المحمل السوري معه الجنود و فرقة موسيقية

بعده جاء موكب الشريف حسين شريف مكة و بعده المحمل المصري ترافقه فرقة تركية

اتسم السير في شوارع مكة بالبطء الشديد، سرعان ما تحول الى مشي سريع و سلس بعد الخروج من مكة الى منى

قال وافل في كتابه: " من العدل الاعتراف بعدم قدرتي على وصف مشهد النفرة، لكن مما يقرب الصورة تصور تحرك نصف مليون حاج ..

.. نصف مليون حاج نصفهم راكبون على مسافة ٩ اميال و زئير الجموع يشبه انفلاق البحر فيما يغطي الغبار الافق ..

.. عندما وصلنا الى عرفات كان المشهد ما يزال غريبا وقد امتلاء صعيد عرفات بالحجاج و الخيام واصوات التلبية تشق عنان السماء

.. جبل عرفات شكله الهرمي وعلى سفحه مجرى الماء الذي يسقي مكة. كان ترتيب خيامنا جيدا وكلنا في احسن حالاتنا النفسية ..

.. تصوت المكان الذي يعج اليوم بالحركة وكان بالامس خاليا و سيكون كذلك غدا ..

حتى ان احدا لن يجرؤ على المجيء اليه في غير هذا اليوم لان الامن منعدم" .. الى هنا انتهى كلامه

سمع صوت ٦٣ طلقة ايذانا بموعد الصلاة، اسفل الجبل كان هناك حوض يستحم فيه الحجاج ماؤها وسخ. آلاف الفقراء يبحثون عن ظل

لم يستغرب وافل من انتشار الأوبئة في مثل هذه الاجواء بل ان الكوليرا عندما تنتشر هنا ان تترك احدا من هذه الجموع حيا

كما اكد اشاعة ان الشيعة من حجاج ذلك العام خالفوا السلطات المكية في تحديد رؤية الهلال و لم يقتنعوا ان ذلك اليوم هو يوم عرفة

نتيجة لذلك، تخلف الحجاج الشيعة في عرفات الى اليوم التالي

نفر الرحالة مع الحجاج الى مزدلفة و منها الى منى و كان الزحام حول العقبة شديدا مما تطلب منه ساعة للرمي

تحدث وافل عن ذبح الاضاحي في المخيمات مما يثير ذلك من خطر الكوليرا كما حدث في حج العام الماضي

لهذا خصصت السلطات في مكة مكانا لذبح الاضاحي خارج منى و يعاقب من يخالف ذلك

توجه وافل مع رفاقه الى مكة يون النحر لطواف الافاضة بعد التحلل ووجد صعوبة في الحصول على ماء للاستحمام

كان ظهره يؤلمه بسبب الشمس و كاد رأسه ان ينفجر من الالم، وعاد بعدها الى منى ووصل عندما كانت طلقات المدفع تعلن وقت العشاء

في ليلتهم الاولى بمنى وبسبب النوم العميق، تعرضوا للسرقة وكان داخل الحقيبة ٥ جنيهات و نسخة مذهبة من القرآن الكريم

كان عجب الرحالة من جرأة السارق الذي اقتحم خيمة فيها ثلاث رجال مسلحين و يسرقهم، وكان ليفقد حياته لو استيقظ لان ليس لديه سلاح

يوم العيد كان احتفاليا في منى حيث كان هناك استعراض كبير شارك فيه شريف مكة و كبار شخصيات حج ذلك العام

تلقى وافل التهاني داخل خيمته من معارفه بتمام الحج و بحمله لقب الحاج علي

رفع العلم الاحمر فوق الكرنتينة بمنى و الذي يعني سلامة الحج من الاوبئة، ولو تغير لون العلم للاصفر فيعني ظهور وباء الكوليرا

بعد انتهاء ايام التشريق عاد الى مكة و قد انتهى الحج بالنسبة لهم ولم يستطع مغادرة مكة لان الطريق غير آمن

كان قد تم استدعاء حامية الطريق الى المشاعر المقدسة و ترك الطريق بدون امن، وزاد الطين بلة ان كافأ الشريف رجال الامن بالراحة لايام

بعد ستة ايام من المكوث في مكة، غادر الى جدة مع رفاقه، و منها كل حسب وجهته، كان وافل يشعر بالارتياح لاكمال المهمة بنجاح

اوقفه الجنود الاتراك بعد بحرة بسبب اوامر بعدم السفر ليلا خوفا على حياة المسافرين من اللصوص

بعد ان وصل الى جدة، اكتشف ان ما تبقى لديه من نقود لا يكفي لايصاله هو ورفاقه في رحلة العودة

اتفق هو ورفاقه ان يأخذ كل منهم اتجاهه، فسافر عبدالواحد الى بلاد فارس، وخادمه الى ممباسا ووافل الى القاهرة

اختتم وافل رحلته بنصيحة للاوروبي الذي يرغب الدخول الى مكة ان يفعل ذلك في موسم الحج و ان ينتحل شخصية مسلم

ونصح بعدم الاختلاط بمواطنيه من نفس الجنسية وان لا يستخدم من يستأجره مرتين وان لا يسمح لمطوفه بدخول مسكنه

ونصح بتعلم العربية و شعائر الاسلام عندها يمكن من اراد ان يحج متخفيا و دون مخاطر …….. انتهى

Saturday, July 11, 2015

رحلات محرمة - رحلة كورتلمون

يتميز الرحالة و المصور الفرنسي جيل جرفيه كورتلمون بانه موهبة ميزته عن سابقيه من الرحالة لانه اهتم بالتصوير الفوتوغرافي

رحل كورتلمون الى مكة في مهمة رسمية سرية للحكومة الفرنسية بدعم و تمويل من وزارة المستعمرات الفرنسية

مهمته هي الحصول على تأكيد صحة الفتوى التي حملها الحاج الجزائري - أكلي -

نص هذه الفتوى بأن علماء المسلمين يقرون بالسيطرة الفرنسية الكاملة على الجزائر و تونسو يرون ان الجزائر دار سلام لا حرب

و يرون ايضا ان سلطة فرنسا فيها تتوافق مع تعاليم القرآن الكريم

وليتدرب على التخفي عاش عدة سنين في الجزائر يدرس الدين الاسلامي و يتدرب على الشعائر الاسلامية

انتحل كورتلمون جنسية جزائري في رحلته الى مكة لاداء فريضة الحج، وتسمى باسم عبدالله و اخذ في رحلته صورا نادرة جدا لمكة و جدة

ولد كورتلمون عام ١٨٣٦ في افون فرنسا. بعد وفاة والده انتقل الى الجزائر ضمن من انتقل اليها من المستوطنين الفرنسيين

كانت فرنسا تشجع الهجرة الى الجزائر في سياسة استعمارية لتكون الجزائر فنسية خلصة

عايش كورتلمون القرويين الجزائريين و جذبه الاسلام فعكف على دراسته، امتهن التصوير و اشبع هوايته في الاسفار داخل الجزائر

صور كورتلمون بكاميرته اول صور لافتتاح الخط الحديدي الحجازي، و زار القاهرة و اسطنبول و دمشق و الهند و التبيت و بورما

سجل كورتلمون نتائج رحلاته تلك في خمس مجلدات، بدأ كورتلمون رحلته الى الحج عام ١٨٩٣

قال له صديقه الطبيب المغربي عبدالرحمن الذبيبي "اعرف حبك للاسلام، سافر ولا تخش شيئا و خذ حذرك من حرارة الشمس"

توج كورتلمون رحلته الى مكة بكتاب " رحلتي الى مكة "، عكف آخر حياته على تأليف يشرح فيه الاسلام عام ١٩٣٠

احتار المؤرخون، هل كان كورتلمون مسلما حقا؟ كانت هناك معلومات متضاربة

القنصل الفرنسي في جدة كان يقول انه ادعى الاسلام وليس ذلك الا مناورة تسمح له باشباع فضوله الدنيوي

كما غمز القنصل الفرنسي الى امانة كورتلمون بما كتبه من تقارير لوزارة الخارجية الفرنسية

كتب روبن بدول، صاحب كتاب الرحالة الغربيون في الجزيرة العربية يقول فيها " تلا زيارة ليون روش لمكة فرنسي آخر من الجزائر ..

.. يدعى كورتلمون وهو مصور محترف شجعه اصدقاءه المسلمون على الذهاب الى مكة"

كتب كورتلمون: " اني احب الاسلام لبساطة عقيدته و تعجبني اهدافه التي لا تتزعزع، دون ان املك الجرأة على الاعتقاد به"

حصل كورتلمون في نهاية مهمته على تقدير بلاده التي كانت راضية على اداء مهمته السرية، نال وسام الشرف بدرجة فارس

كان شجاعا و يتميز بحنكة و نجح في ظروف صعبة و محفوفة المخاطر و كتب وثائق لا تقدر بثمن

نال الوسام بعد ان اقسم في تقرير رحلته انه سمع من المفتي في المدينة المقدسة ان الفتوى التي حصل عليها باستعمار فرنسا كانت صحيحة

في بداية رحلة كورتلمون للحج كان مدفوعا لكشف اسرار مكة وقال: "اردت الولوج لاسرار هذه المدينة لانني كنت مدفوعا برغبة اكمال ..

.. دراستي الشاملة عن المشرق المعاصر، مهد الديانات السماوية، هذا المشرق المسلم الذي احبه كما يحبونه الذين يعرفونه حق المعرفة"

لم يحب كورتلمون المنطقة فحسب، بل احب ديانة اهلها وقال انه يحب الاسلام في ايمانه الخالص و يحب فيه الامل الراسخ

ضمن كورتلمون كتابه بالكثير من الصور للاماكن المقدسة و اهلها و عمرانها و عادات سكانها ليضفي عليه المصداقية

انقسمت السلطة الفرنسية الى قسمين، قسم ايد سفره للحج، و قسم عارضه، في النهاية سافر الى الحج تحت اسم عبدالله ابن البشير

قال كورتلمون: "لا ارى شيئا اكثر تشريفا للرجل الفرنسي من ان تكلفه حكومته للقيام بمهام خارجية"

خرة كورتلمون من الجزائر عام ١٨٩٤ مع صديقه الجزائري أكلي، وكان أكلي قد شجعه على اداء فريضة الحج

اتت رحلة كورتلمون الى الحج بعد ٥٠ عاما من رحلة ليون روش، اتفق مع زميله ان يسافر الى السويس اولا و منها الى الحج

التقى أكلي في السويس و كان مريضا و نصحه الاطباء بتأجيل الرحلة لانه كان بحاجة للرحاة و الهواء النقي

بعد شفاء أكلي، غادرا سويا الى جدة

غادر كورتلمون السويس الى جدة على متن سفينة التي كان يرى على متنها متحفا انثوغرافي و مجموعة مختلفة من الاجناس و الاعراق

تدريجيا زادت الالفة بين الركاب المسلمين. اعجب كورتلمون من بين الركاب بتاجر من المدينة المنورة لمعرفته بجميع ما يجري في المنطقة

بعد ثلاثة ايام من مغادرة السويس، وصلا الى جدة، كان يصعب على السفينة الاقتراب من رصيف الميناء بسبب الشعاب المرجانية الخطيرة

يأتي مرشد من الميناء و يقود السفينة ببراعة بين الشعب المرجانية الى مكان تأتي اليه القوارب لنقل الحجاج الى رصيف الميناء

كان السنبوك الذي يحمل كورتلمون يلتوي بين الصخور المرجانية، كانت المسافة قصيرة الى رصيف الميناء ولكن محفوف بالمخاطر

عندما وصل الركاب، بدأ الزحام على طريق التزول، صراخ و صياح و تدافع بين الناس، تأشيرة الجوازات و اجراءات الجمرك .. الخ

شعد كورتلمون ان السلطات التركية تتعقبه لمعرفة تحركاته حين كان يشتري من السوق

وصف كورتلمون جدة قائلا: "شاطئها محترق مجدب، مرفأ موحش، وضعها محزن، لا يمكن تحمل الاقامة فيها، يقتلك الناموس ليل نهار ..

.. لا يمكن تحمل الاقامة فيها، الماء فاسد، لحرارة و الرطوبة مرهقة، لا يوجد فيها اثر للخضرة، منظر مدينة جدة محزن"

ولكنه وصف شوارعها بالحيوية، ارصفتها مليئة بالبضائع، جدران مبانيها حجرية، مشربياتها جميلة، سورها قوي

عبر كورتلمون عن اسفه لاهمال الاتراك المتعمد لهذه لمدينة جدة و الذي ستندم عليه يوما ما

وصف كورتلمون نظرات الشك و الريبة من سكان اهل جدة تجاهه و الذي كان يثير غضبه هو وصديقه

خفت نظرات الشك عندما دعا العمدة كورتلمون و صاحبه الى مأدبة عشاء و دعا اليها وجهاء جدة و اعيانها

للوصول الى مكة كان عليه ان يختار اما الجمال او الحمير، كان يرغب في امتطاء الجمل الذي يحب خطواته الناعمة على الرمال

الا ان كورتلمون اختار الحمير لانها تختصر المسافة الى يوم بدلا من يومين على ظهر الجمال، لبس كورتلمون الاحرام و سافر الى مكة

ركب كورتلمون على حماره عاري الجذع حليق الرأس تحت وجه الشمس المحرقة وكان اكثر ما يخشاه هو ان يصاب بضربة شمس

وصف كورتلمون مظاهر انعدام الامن في الطريق الى مكة قائلا: "كنا نسير و قلوبنا منقبضة نتقاطع مع القوافل دون ان نتوقف"

لم يتبادل كورتلمون الاحاديث مع الاخرين ولا حتى السلام خلافا للاعراف العربية، كان دائم الاستعداد لخوض معركة ويده على الزناد

توقف كورتلمون في حدة للراحة و وصلاة العشاء. شاهد تصرفات الادلاء و الجمالين و الحمارين مما يعكس خوف الجميع

كان كورتلمون يعيش احلك الظروف في حياتهو ماذا سيكون غدا؟ ما المصير الذي ينتظره عند دخوله للحرم الشريف في اليوم التالي؟

تجاوز الرحالة فجرا علامات الحرم وهي نقطة بداية تحريم الصيد، وكانت الطيور و الدواب آمنة تركض امام الناس دون خوف

كان وصوله الى مكة مفاجئا ولم يعلم انه وصل الا بعد ان وطأت قدماه اولى شوارع مكة

اقتاد المطوف عبدالرحمن بوشناق - مطوف المغاربة - كورتلمون الى مكان اقامته في مكة المكرمة

نظر الى الكعبة المشرفة شامخة و فند ادعاء الغرب ان الكعبة المشرفة ليست قبر الرسول صلى الله عليه و سلم

قال ان الكعبة هي بيت الله بالنسبة للمسلمين، سرة المسلمين، و كلهم حول العالم يتجهون اليها في صلواتهم

جلس كورتلمون في ساحة الحرم ينتابه شعور الاجلال و الاحترام و الحب، بعدها شرع في اداء اولى الصلوات ومن بعدها الطواف

انتاب كورتلمون حالة من الخشوع جعلته كما يقول، يفقد الاحساس بالجوع و التعب و العطش

وصل كورتلمون الى مكة قبل موعد الحج بشهر، وهذا مكنه وبسبب فراغ المكان من التمعن في ما يتعلق بالاكل و المبيت

سجل كورتلمون مشاعره قائلا: "شربت بلذة من ماء زمزم الذي كنت استزيد من شربه، لم يغمض لي جفن منذ ثلاث ليال منذ وصولي ..

.. استحضر ذكريات الايام التي قضيتها بمكة، هذه المدينة الخارقة، نزعت رداء حياتي الادمي لاغرق في نوع من السبات الروحي"

خصص كورتلمون في رحلته مساحة ليفند فيها دعاوي تلوث ماء زمزم

استطاع اثناء مقامه بمكة و سكانها يومئذ ١٠٠ الف نسمة، ٧٥٪ منهم من الهنود. تجول كورتلمون في احيائها وتعرف على شوارعها

استغرب كورتلمون من ترك الفوانيس مضاءة ليلا و اسواقها حيث تباع بضائع من ماركات اوروبية، داعيا فرنسا لتسويق بضائعها في مكة

قدم كورتلمون وصفا لضواحي و مباني مكة و اهتمام سكانها بتنظيف شوارعها بانفسهم

تحدث عن ظاهرة غريبة في مكة، جمال خضر تأتي كل ليلة الى مكة تحمل اهل التقى من موتى المسلمين من انحاء العالم

وتحمل هذه الجمال رفات غير المستحقين للدفن في مقابرها الى بلد بعيد، ونقل مفتي المالكية الشيخ عابد ما يعزز هذا ..

منها قصة فتى موركسي احب اميرة اسبانية اسلمت على يديه ثم فرقهما والدها النصراني

ماتت هي و دفنت في بلاد الروم، و لما اراد الفتى نبش قبرها لاسترداد اسورة كان اهداها اياها، فوجئ بجثة رجل بيده سبحة تلمع

اخد الشبحة و سافر بها الى مكة، وبينما كانت السبحة في يده وهو يتجول في شوارع مكة، اذا بمن يصيح فيه ان هذه السبحة لوالده

قال ان والده دفن في مقبرة المعلاة و اتهمه بانه نبش قبره و سرقها ..

عودة الى رحلة كورتلمون، تحدث الرحالة عن المطبعة الوطنية التي تطبع الكتب الدينية، وقال فيها: " خالجني احساس انني اقف امام ..

.. امام احدى مصادر قوة المستقبل، تنطلق من هذه المطبعة كتب تنشر في انحاء الدنيا تطالب بالزام الغرب بعتق الاسلام و تحريره"

اكبر كورتلمون في وصف اخلاق اهل البادية ممن يسكنون او يفدون الى مكة، قال انهم يعدون انفسهم من الاشراف

انفة مظهرهم شيء رائع. ظلوا احرارا بامتياز لا يقبلون اي نوع من انواع العبودية، بلدهم لا يزال الى اليوم بلد الحرية، لا تخضع لاي قيود

كانت موارد الوقود في مكة شحيحة، و يستخدم المكيون بعر الجمل المجفف و الخشب و نوعا شيئا من الفحم في الطبخ

وصف كورتلمون مشعر منى بعد الحج وهو خال من ٢٠٠ الف حاج بارض فسيحة صحراوية و عادية

كان ينتابه شعور بالخوف من ان يفتضح امره فيعدونه جاسوسا وربما يقتل، لانه لا يوجد من يمكن ان ينقذه مثل سلفه ليون روش

كان يواجه كل من يسأله ان كان جاسوسا انه لو كان كذلك لتخفى بين حسود الحجاج الاجانب و لم يكن احد ليلحظ ذلك

لفت الشيخ محمد عابد بن حسين نظر كورتلمون انه ينبغي ان يفرح لتساهل السلطات مع الاجانب تلك الايام

وقال ان السلطات وقبل سبع سنوات من ذلك التاريخ كانت تخلي مكة من الاجانب بعد موسم الحج

كانت اللحظة الحاسمة من رحلة كورتلمون عندما تمكن من التقاط بعض الصور لمكة من كاميرته التي كان يخفيها بين سجاد الصلاة

التقط كورتلمون صورا لمكة من فوق قمة جبل ابي قبيس، وكانت اولى الصور التي التقطت لمكة، وهي اكثر بلاغة من اي وصف

لما انهى كورتلمون المهمة التي ندب نفسه وندبته فرنسا لها، وجمع كل ما يحتاج من معلومات عن المدينة و احوال سكانها

زار الشيخ محمد عابد مفتي المالكية و طلب منه ان يحرر له رسالة تدل على صدق تعبده، و حرر له المفتي هذه الرسالة و كتب فيها ..

.." أمعنا النظر في حاله فوجدناه مؤمنا حقا"، وفيها توصيات لحاملها بالمزيد من معرفة الدين الاسلامي

امتطى الحمير مع صديقه أكلي للعودة الى جدة، التحقا بمسافرين آخرين في الطريق، سقط سبع مرات من ظهر الحمار ولم يصاب باذى

وصل كورتلمون الى جدة دون توقف عدا استراحات في نقاه في الطريق، دخل كورتلمون جدة من بوابة باب مكة

تلقى كورتلمون في جدة التهاني الحارة من القنصل الفرنسي على عودته سالما، وقام بعدة جولات داخل احياء جدة

كان كورتلمون دائم الحذر من الذين يراقبون تحركاته الا انه كان اكثر ارتياحا، و التقط العديد من الصور لمدينة جدة

كادر كورتلمون جدة على متن سفينة نمساوية كانت على وشك الابحار، ودع اصدقاءه من شخصيات جدة الذين ساعدوه في البداية

على متن السفينة ارتدى ملابس انيقة و تخلى عن مظاهر الفقر التي ساعدته في تشتيت الانتباه عنه و تخلص من التحفظ الصارم

كانت السفينة في طريقها الى ميناء ينبع، و كان يخطط للسفر الى المدينة المنورة، اقتربت السفينة من ميناء ينبع

كلما اقتربت السفينة بدا المنظر خلابا و تبدوا في الافق الجبال الشاهقة، لاحظ في اسواق ينبع انتشار تجارة الجملة

كانت البضائع تفرغ على ميناء ينبع، و تتقدم قوافل الجمال المتجه للمدينة لشرائها و نقلها الى المدينة المنورة

غادر كورتلمون ميناء ينبع دون زيارة المدينة المنورة بسبب مرض رفيقه أكلي

ولكنه عاد لاحقا و زار المدينة في مناسبة تدشين قطار السكة الحديد الحجازي عام ١٩٠٨ وفيها التقط كورتلمون اول صورة ملونة للمسجد النبوي

من ثمار زيارته لمكة ان فرنسا منحته وسام الشرف برتبة فارس

ينهي كورتلمون رحلته بالتاكيد على امرين، شعوره بشك اهل الحجاز باسلامه رغم انه لم يبدر منه اي تصرف فيه سخرية من الاسلام

و الثانية موقفه من الاسلام الذي لم يتغير قبل الرحلة و بعدها، و كرس صفحاته لتبديد سوء الفهم المزعج عن الاسلام

كان ينظر الى المستقبل الذي يتحقق فيه حلمه الجميل في السفر الى قلب الجزيرة العربية نجد

وصف الدكتور محمد خير البقاعي في محثه بمجله مكتبة الملك فهد الوطنية ان كورتلمون يكتب في كتابه عن الاسلام بروح المحب للاسلام

وهذا نادر مما يجعلنا نعجب المؤلف و نهنئه من صميم الفؤاد لانصافه و تجرده

و اشار البقاعي ايضا ان كورتلمون رزق بمولود كان له ثلاث اسماء، فيكتور، شارل، و عبدالله، ليسجل اهتداء كورتلمون للاسلام

مرض كورتلمون ١٥ شهرا و توفي عام ١٩٣١ في فرنسا، كفنوه بثوب احرامه الذي ادى فيه الحج

دفن و معه حلقة من الفضة بداخلها رسالة من مفتي المالكية وفيها انه "كان مسلما حقيقيا لا يبتغي في ذلك الا وجه الله" ….. انتهى


Tuesday, July 7, 2015

رحلات محرمة - رحلة كريستيان سنوك

ولد كريستيان سنوك هورخرونيه لاب قسيس شمال برابات في هولندا عام ١٨٥٧، التحق بجامعة ليدن لدراسة اللاهوت عام ١٨٧٤

عام ١٨٨٠، نال الدكتوراه في اطروحته عن الحج عن الحج عند اللمسلمين و اهميته في الدين الاسلامي

عمل سنوك محاضرا في الجامعه و سافر عام ١٨٨٤ للجزيرة العربية للتعرف على حياة المسلمين وحقيقة الاسلام

وصل سنوك الى جدة بصحبة القنصل الهولندي وبقي فيها خمسة اشهر الى ان اتقن اللهجة الحجازية

غادر سنوك جدة عام ١٨٨٥ و دخل الى مكة تحت اسم عبدالغفار، وكغيره لم يدخل سنوك متخفيا، بل كعالم هولندي مسلم اعلن اسلامه

ادعى انه اتى لتلقي العلم و تأدية الحج و ان هدفه هو تعلم القرآن الكريم

كان ينوي الجلوس في مكة الى الحج الا ان القنصل الفرنسي في جدة كشف هويته و اسمه الاوروبي في احدى الجلسات الاجتماعية

غادر سنوك مكة بعد ان قضى فيها ستة اشهر حتى لا يعرض نفسه للخطر، لعلمه انها محرمة على غير المسلمين

قال سنوك "درست النظم المثالية و الحياة الواقعية بالمسجد و الديوان و المقهى ومن واقع الحياة اليومية ..

.. سمعت باذني ما يتعلمه الناس في المدينة و ما يعلمونه. اقمت علاقات و معارف مع علية القوم في مكة" انتهى كلام سنوك

اكمل سنوك كتابا خلال فترة اقامته في مكة عن مكة وذاع صيت كتابه في انحاء اوروبا و تسابقت الجامعات لجذبه للتدريس بها

فضل سنوك دراسة الاسلام في جزائر لبهند الشرقية - اندونيسيا - التي كانت تستعمرها هولندا، واقام سنوك في جزيرة جاوة

اقام فيها ١٧ سنة و تزوج من ابنة امير اندونيسي و انجبا اولادا، لم يميل الاندونيبسيون الى تصديق شائعة انه ارتد عن الاسلام

كان البعض يروج الى انه جاسوس يجمع معلومات عن نشاط معارضي الاستعمار الهولندي لبلادهم

عاد من جاوة الى جامعة ليدن علام ١٩٠٦ وبقي الى ان تقاعد عام ١٩٢٧، واصل رحلاته الى الشرق الى ان توفي عام ١٩٣٦ عن ٨١ عاما

الف سنوك عدد من الكتب منها "الحج الى مكة" و "مكة في نهاية القرن ١٣ هجري" وغيرها الكثير من الابحاث و المقالات

عن رحلته الى مكة: بعد ان اتقن سنوك اللهجة الحجازية في جدة، غادر مع اربعة من الجاوة في اربعة جمال الى مكة و دخلها عام ١٨٨٥

ونورد هنا تلخيصا لما ورد في كتابه "مكة في نهاية القرن ١٣ هجري"

رأى سنوك تنوع سكان مكة عرقيا مما يفند آراء المستشرق رينان بان مبدأ تشكيل الامم قائم على تناسق عناصر السكان ووحدة اصولهم

كتب ان سكان مكة الكثير منهم من الوافدين اليها من بلدان الدول الاسلامية قاصدين جوار بيت الله الحرام

ولم يكن هذا هو السبب الوحيد حيث ان هناك سبب اقتصادي، و الكثير من الوافدين يشتركون معا في حرفة التجارة

ويفد الى مكة العديد من المتسولين الذين يحاولون اكتساب الرزق من اي عمل يتاح، كحفظ احذية المصلين على ابواب المساجد

من انشط العناصر التي استوطنت مكة الحضارم، الذين يأتون خاليي الوفاض، ولكن بجدهم و تفانيهم يكونون ثروة

اما سكان البادية الفقراء ممن يأتون الى مكة، فيشتغلون بحراسة المنازل، وهؤلاء عندهم امانة للقايم بهذا النوع من العمل

يعمل "التكارنة" الاحرار و القليل منهم من العبيد كحمالين، كما يعملون في تنظيف قناديل الاضاءة في الشوارع و اعمال الحفر

تحدث سنوك عن هجرة الجاويين لاسباب دينية، و النجديين لاسباب تجارية و غيرهم من الجاليات التي اتت من كل جنس و لغة

يشعر المهجرون الى مكة انهم في بلدهم على الرغم من انهم غرباء، وبالتدريج يجدون انفسهم وقد اندمجوا في المجتمع المكي

وقال عن اهل مكة ان معشرهم عذب ومولعون بالمرح وكرماء الى درجة التبذير و يكرسون جهودهم للحياة الاجتماعية

شرح سنوك في كتابه عن وضع العبيد ودكة بيعهم مشيرا الى الجوانب الانسانية الطيبة في علاقة السيد بالعبد

كان العبيد لا يباعون الا برضى العبد نفسه ذكرا كان ام انثى، ويشدد المشتري في سؤال العبد ان كان يرغب في خدمة السيد

ان كان العبد غير راضي، فانه يطلب بان يباع لسيد غيره، وفي بعض الحالات كانت الجارية تعرض نفسها في السوق دون اذن سيدها

كتب سنوك عن دهشته من احد كبار رجال مكة وهو يعامل عبده بادب جم و تحدث قائلا ان والده رباه على احترام عبيده

لاحظ سنوك نشاط الزمازمة الذين يتولون توزيع ماء زمزم، كما ان بعض الاثار في مكة لا يدخلها زائر الا بعد ان يدفع مبلغا من المال

تحدث سنوك عن دور المطوفين مع الحجاج و دورهم في نقلهم من جدة الى مكة و الترجمة لمن لا يحسن اللغة العربية

الطوافة هي اكثر المهن اهمية في مكة، فكانوا يستقبلون الحجاج عند نزولهم من السفينة، ويساعدونهم في الامتعة

يختار المطوفون السكن و استئجار الجمال التي تنقلهم الى مكة و كافة الترتيبات اللازمة من خيام و جمع الحطب لمنى و عرفات

كان المطوفون يلعبون دور المظيف و يقرضونه عند الحاجة و يزوجونه اذا رغب ببكر او ثيب او ارملة

تصاب الحالة الاجتماعية في مكة بالفتور بعد انتهاء موسم الحج حتى شهر محرم حيث يدب النشاط بسبب مناسبة يوم عاشوراء

كما يحتفل اهل مكة بميلاد النبي صلى الله عليه و سلم و تطلق المدافع و يقرأ المولد في ساحات الحرم و توزع الحلوى و تضاء الشموع

يخرج الحشد من المسجد حاملين القناديل و يسيرون عبر اسواق القشاشية و سوق الليل الى مكان مولد النبي صلى الله عليه و سلم

كان علماء المسلمين قبل ٣٠٠ سنة يصرحون بمعارضتهم للاحتفالات بالمولد لانها كانت تثير الشبهات اكثر من الفضائل

في ١٢ من شهر رجب يقام احتفال كبير في الزاوية السنوسية على سفح جبل ابي قبيس وفي ٢٧ من نفس الشهر الاسراء و المعراج

في نهاية شهر رجب، تبدأ مجموعات الحجاج بالوصول الى مكة وفي شعبان يزداد العدد، ويحرص الحجاج على الصيام في مكة

ويصف سنوك النشاط في رمضان حيث يعمر المسجد الحرام بقراءة القران و يشغل المسلم نفسه بالطاعات

يلقي العلماء المحاضرات نهارا رغم الحر الشديد و قبل الغروب يبدأ الاستعداد للافطار و يتدفق الصائمون الى الرحم حاملين افطارا خفيفا

الاثرياء يدخلون الحرم يتبعهم عبيدهم الذين يحملون على رؤوسهم اطباقا معدنية ثقيلة بانواع الطعام

عندما تقام الصلاة، يبدأ الاحناف بالصلاة خلف مقام الامام الحنفي و نفس الشيء مع باقي المذاهب

تقام صلاة التراويح بعد العشاء، وكان من النادر ان لا ترى شخصا لا يصلي التراويح، و تستمر الصلوات الى منتصف الليل

تصاب حركة البيع في مكة بالركود في اوائل الشهر و تنشط آخره حيث مشتريات العيد

تبدأ استعدادات العيد ليلة ٢٩ و يبدأ الناس بتنظيف بيوتهم و سجاجيد البيت و الحلاقة و الحجامة و شراء الحلوى

يقول سنوك ان المسجد يزدحم بالمصلين في صلاة العيد، ويتبادل الناس الزيارات في ايام العيد الثلاث

بنهاية شهر شوال يتكاثر الحجاج و يبدأ التنافس بين المطوفين على اعداد الحجاج

كان امير مكة والوالي العثماني يمارسان اساليب الابتزاز ضد افراد الطوافة لاخذ المال، ومن يعترض يزج به في السجن

ياخذ على الاوربيين نقلهم معلومات خاطئة عن مكة و نجد، كل المعلومات التي وصلت لاوروبا كانت انطباعات من حجاج لا يعرفون حقيقة اهل مكة

فند سنوك الافكار الخاطئة عند الاوربيين عن الحياة الاجتماعية لاهل مكة

 كان الاوروبيون يعتقدون ان خلف بيت المسلم يوجد سجن يحوي في العادة على اربع نساء وعدد لا يحصى من الجواري لاشباع نزوات سيدهن

عندما يخرجن من السجن لابد من ان يرتدين الحجاب المكثف، وذكر ان المرأة تشارك الحديث مع زوجها و ضيفه من وراء الحجاب

فند سنوك ايضا المفاهيم الخاطئة عند الاوروبيين والخاصة بتعدد الزوجات، وان هذا النوع من الزواجات مقتصر على الاثرياء جدا

وذكر ان الزواج بواحدة هو السائد عموما، وصف سنوك احتفال تسمية المولود و حفل الختان و اباحة الاجهاض قبل نفخ الروح في الجنين

و يختم سنوك كتابه بفصل عن سكان مكة و ركز على الوافدين من جزر اندونيسيا ممن يعرفون في مكة بالجاوة

معظمهم متواضعون بطبعهم و عندما استقروا بمكة اندمجوا مع الحياة المكية

دافع سنوك عن ما يقال عن الجاوة في هولندا من انهم طاعون المجتمع و انهم شديدوا التعصب و الكراهية للاوروبيين …. انتهى

Monday, January 19, 2015

كارين آرمسترونغ - محمد، محاولة غربية لفهم الاسلام


محمد صلى الله عليه و سلم، محاولة غربية لفهم الاسلام 

كتاب جدير بالقراءة لما فيه من محاولة انصاف لنبينا محمد صلى الله عليه و سلم وللاسلام 

في خضم هذه الهجمة الشرسة على الاسلام التي امتدت قرونا منذ تشكلها في القرن الثامين الميلادي ثم اشتدادها على يد الصليبيين

من ثم تطورت على يد الجماعات التبشيرية النصرانية في القرون الاخيرة والتي يعتبر القس الامريكي صاومويل زويمر عرابها ومحركها

وقد احيا البابا بيندكس في محاضرته الشهيرة والتي اساء فيها لنبينا عليه الصلاة و السلام وعلى جميع الانبياء حربا صليبية فكرية

انتفض لها العالم الاسلامي دولا و حكومة و شعوبا وفي طليعتهم قادة الاجتهاد و الفكر و الثقافة صدا لهذه الهجمة الصليبية 

امضت مؤلفة الكتاب كارين آرمسترونغ الرومانية سبع سنوات راهبة كاثوليكية ثم درست الادب الانجليزي في جامعة لندن 

انصرفت للتدريس ست سنوات في احدى مدارس البنات، ث بعد ذلك عملت مذيعة 

انصرفت بعد حصولها على الدكتوراه في بحثها ؛الله و الانسان على امتداد ٤٠٠٠ سنة" للكتابة التلفزيونية 

وضعت كتابا عن حياتها "عبر البوابة الضيقة" كما الفت كتبا اخرى اهمها " محمد: محاولة غربية لفهم الاسلام "

في الفصل الاول من الكتاب تتبعت تهم الغرب المسيحي للاسلام ومواقف الساسة الغربيين منه القائمة على الجهل المطلق 

تتبعت الكاتبة تلفيقات الغرب المسيحي لتشويه الاسلام، والتي صورت للمسيحيين نبي الاسلام حاشاه صلى الله عليه و سلم ..

و تنزه عن ما نسبوه باطلا اليه بانه ساحر، دجال ومدعي اكبر و انه فاسق، وانه الهم اتباعه ان يحذو حذوه في اشباع غرائزهم 

وقالوا انه اجبر شعبه على اعتناق الدين بالسيف و ان القرآن لم يكن وحيا بل هرطقة علمه اياه الراهب سيرجيوس المنشق عن المسيحية 

قال اعداء الاسلام في ان الوصف المسيد و النبوءات عن الدجال التي وردت في كتب المسيحية تنطبق على النبي محمد عليه السلام 

ثم نشروا زورا ان محمدا قتل عندما مزقه قطيع من الخنازير، ومن هذه اللحظة تشكل التصور النمطي و تراكم عبر القرون 

كان المسيحيون يزيدون ما يستطيعون من نقائض عن الاسلام و نبي الله محمد و استمر هذا التلفيق الى اليوم 

قارنت آرمسترونغ تسامح المسلمين و تعصب الميسحيين عبر التاريخ وقدمت شواهد على كل هذا ووضحت موقف الاسلام من الشبهات 

المؤلفة في الفصل الاول من كتابها اعترفت بما اصبح عليه الاسلام من قوة يحسب حسابها مع نهاية القرن العشرين 

على عكس ما كان يروج لها الغرب من ان الاسلام خرافة والى زوال، ثبت بعد انهيار الشيوعية ان ذلك كان نبوءة زائفة 

مما يثير الدهشة ان ذر قرن التطرف الديني "الاصولية" بين اتباع اغلب اتباع الديانات الرئيسية وما رصدته المؤلفة من تسامح

تمثل في تبادل بعض المفكرين للاعجاب باديان مغايرة متجاوزين حواجز العداوة و الخوف 

"بقي دين رئيسي خارج هذه الدائرة وبقيت صورة سلبية ماثلة عنه عند الغربيين بالرغم من انه اكثر انسجاما مع تراثنا المسيحي-اليهودي ..

.. ذلكم هو الاسلام" .. كما قالت آرمسترونغ، وكتبت ايضا: " اننا نحن الغربيين نملك تاريخا طويلا من العداء للاسلام و الحقد القديم عليه ..

.. وما زال في تصاعد على جانبي الاطلسي، ونادرا ما يتردد الناس في التهجم على هذا الدين وان تكن معرفتهم له ضحلة" 

وتشير آرمسترونغ الى انه و حتى ظهور الاتحاد السوفيتي: "لم يسبق لدولة او ايدوليجيا ان شكلت تحديا مستمرا للغرب مثل الاسلام ..

.. حتى القرن ال ١٨، كانت نتائج الحروب الصليبية على الاسلام انها لم تفشل فحسب، بل احضرت الاسلام الى عتبة اوروبا على يد العثمانيين"

عادت الى ما آثاره انتشار الاسلام منذ بدئه من خوف لدى المسيحيين عندما شكل الاسلام قوة عالمية عظمى 

ادخلت القبائل البربرية التي كانت تجتاح اوروبا ثقافتها في بركة آسنة، حتى بعد نهوض اوروبا، كان خوفها افقدها القدرة على العقلانية ..

.. تجاه الاسلام، وبسبب هذا الخوف نسجوا صورا مخيفة عن الاسلام واصبح اسم محمد بعبعا للناس تستخدمه الامهات لاخافة اطفالهم 

كانت المسرحيات الصامتة تصور محمدا على انه عود للحضارة الغربيةو اصبحت هذه الصورة احدى المثل المتوارثة في اوروبا الى الان 

من اطوار تشكل العداوة للاسلام طور ظهر في اسبانيا مطلع القرن التاسع الميلادي حين جاهر الراهب الاسباني بيرفكتوس بذم النبي 

وقد شجب اسقف قرطبة هذا الفعل منه ومن امثاله، وتكرر من بيرفكتوس ومن غيره في ظل دولة يحكمها الاسلام في قرطبة 

تردد القاضي بالحكم بقتله ولم يصدره عليه وعلى ٥٠ آخرين على فترات متباعدة الا بعد ان تمادى و تمادوا في الذم 

واصبح ذم النبي جريمة عقوبتها القتل، وقد اعتبرهم المسيحييون بعد قتلهم قديسين من جنود الله 

ومع بداية القرنين ال ١٠ و ١١، استعادت اوروبا الصورة السابقة عن الاسلام و نبيه، وتشحن اتباعها ضد الاسلام و اتباعه 

 وبدأت الممالك و الامارات الاسلامية في اوروبا تتلقى ضربات الغرب المسيحي، عام ١٠٦١ م في جنوب ايطاليا ، وعام ١٠٨٥ في طليطلة

في بداية القرن ١١، بدأت اولى الحروب الصليبية وزادت ادبياتها في الصورة النمطية عن المسلمين 

ادعت الحروب الصليبية ان المسلمين عبدة اوثان يسجدون امام ثالوث من الالهة : ابولو - تيرفاغانت و محمد 

عندما استولى الصليبيون على القدس عام ١٠٩٧، ذبحوا سكانها المسلمين باعصاب باردة، وكان وصفهم للمسلمين بالقذرين 

ترسخ مع الغزو الصليبي في اذهان المسيحيين اسطورة "محمد العدو"

في القرن ١٢، صمت اوروبا آذانها عن طلائع الصورة الايجابية التي قدمها بطرس المبجل رئيس دور كلوني و المؤرخ اوتوفريزنغ ..

.. ووليام مالمسبري عن المسلمين، فالعرب و الاتراك يعبدون الله الخالق و يبجلون محمد لا كإله لهم، بل كنبي

فرضت المؤسسة المسيحية سياسة التمييز العنصري ضد المسلمين و اليهود، وتم حظر اي اعمال في منازل المسلمين او التجارة معهم  

اضاف البابا غريغوري بان يلبس المسلمون واليهود ممن يعيشون تحت الحكم المسيحي لباسا متميزا

وتم منع المسلمين من الخروج اثناء الاحتفالات المسيحية و الاشغال في الوظائف الحكومية او رفع الاذان للصلاة لانه يؤذي المسيحيين

تواصل العداء في الغرب عند لويس التاسع الذي قاد حملتين صليبيتين على العالم الاسلامي مطلع القرن ١٣ ميلادي 

مرة اخرى تصم اوروبا آذانها عما كتبه ريكولدو دامونتي كروس ان موقف المسيحيين من المسلمين يبعث على الخجل

اعلن البابا كلمنت الخامس اوائل القرن ١٤ ان الوجود الاسلامي على التراب المسيحي اهانة لله، وبدأ المسيحيون يزيلون هذه الفاحشة 

في آخر القرن ال ١٥، استولى فيردناند و ايزابيلا على اخر معاقل المسلمين في اسبانيا وسقطت غرناطة 

نشطت بعدها محاكم التفتيش ل ٣٠٠ سنة لتنظيف اسبانيا من المسلمين قتلا و حرقا و ابعادا 

وقد عزز فشل الحروب الصليبية و دحرها من بيت المقدس و الشام تنشيط تيار جديد من المسيحيين يدعو لايجاد طريقة جديدة ..

.. للتعاطي مع التهديد الاسلامي لان هذا الخطر كما يشير جون سغوفيا لن ينهزم بادا بالحرب او بالنشاط التبشيري التقليدي 

فاقترح جون فكرة مؤتمر دولي يتبادل فيه المسيحيون و المسلمون الافكار، وصم المسيحيون آذانهم عن هذا 

ولم تتوفر في اوروبا حتى القرن ١٦ المصادر التي تعين بعض المفكرين المسيحين للكتابة الموضوعية عن الاسلام 

قالت آرمسترونغ: "انه من الخطأ ان نتصور الاسلام دين عنف او تعصب كما يقول البعض" 

وترضد آرمسترونغ ان النزعة الاصولية ظهرت بين الكثير من اتباع الديانات و الافكار، فهناك اصولوية هندية، وبوذية ومسيحية 

 قال جيري فالويل: "من الخطأ ان ننظر للمتطرفين المسلمين على انهم الصورة النموذجية لدينهم

واضافت: "لقد ساهم الاعلام الغربي في تكبير كل سلبية عن المسلمين وحجب الايجابيات عند المسلمين" الصحافة تحرك التعصب التقليدي القديم

وفي احد فصول كتابها تضرب آرمسترونغ الامثال لما عند الغرب من تصورات خاطئة يلصقها بالاسلام، وتدافع فيه عن موقف الاسلام 

قالت: "هو دين لديه اشياء كثيرة هامة يعلمنا اياها. الاسلام يشكل تراثا باستطاعته التحدث الي ..

.. بهرت بما يكنه الصوفيون للاديان الاخرى، وهي ميزة لم اقابلها في المسيحية بكل تاكيد"

بعد محاولة ريكولدو دامونتي، لم يظهر كتاب فيه شيء من الموضوعية عن الاسلام الا في نهاية القرن ١٧، في بداية عصر التنوير في اوروبا 

كتب بارتلمي ديربلوت كتابا بعنوان "البيبلوغرافيا الشرقية" ولاول مرة يقدم للغرب المسيحي معلومات عن الاسلام مستقاة من مصادر عدة 

كان هذا الكتاب نقطة في بحر من الكتب في هذا القرن التي تعتمد على الصورة النمطية الكاذبة الملفقة عن الاسلام 

كتب المستشرق الانجليزي "همفري بريدو" كتابا بعنوان "محمد الطبيعة الحقيقية للدجل" 

في هذا المناخ العدائي، كان طبيعيا ان ينزعج المسيحيون في القرن ال ١٨ من كتاب سيمون اوكلي بعنوان "تاريخ العرب و المسلمين" 

في كتابه قدم الجهاد عند المسلمين من وجهة نظر الاسلام رغم انه لم يتخلى في كتابه عن الموروث السلبي عند المسيحيين عن الاسلام 

في منتصف القرن ١٨، ظهر اول كتاب يدافع عن الاسلام في المكتبة المسيحية الف فرانسوا فولتير بعنوان "طبائع الامم و روحها" 

دافع فيه عن النبي محمد كمفكر سياسي عميق و مؤسس دين عقلاني حكيم 

استنتج في كتابه ان نظام الحكم الاسلامي كان اكثر تسامحا من التراث المسيحي ، ولكنه لم يخلوا من التلفيق ضد الاسلام 

وتعرض المستشرق الهولندي يوعان يعقوب الى ملاحقة مسعورة بسبب كتابه لانه ابرز المقدس في حياة محمد و خلق الاسلام 

في نهاية القرن ١٨ امتدح المؤرخ ادوارد جيبون في كتابه "انحطاط و سقوط الامبراطورية الرومانية" الوحدانية النبيلة في الاسلام 

بين ان المغامرة الاسلامية كانت تستحق مكانة في تاريخ الحضارة العالمية، ولكنه رفض اعتبار ان القرآن وحيا من الله 

حتى توماس كاريل في القرن ١٩ في دفاعه عن النبي محمد في كتابه الابطال رآه متدينا ولكنه تابع جيبون في رأيه في القرآن 

حتى يتحقق اختراق جدار المسلمين الصلب والذي استعصى على كل خطط المسيحين عسكريا و فكريا، كان على نابليون ..

وهو يزحف لاحتلال مصر ان يخاطب سكان الاسكندرية بزعم جديد في التفكير المسيحي - نحن المسلمون الحقيقيون 

امتدح نابليون امام علماء الازهر محمدا مما خفف من عداوة الناس له، وبقيت الطبقة المثقفة الفرنسية على موروثها الظالم عن الاسلام 

قال شاتوبريان المعاصر لنابليون: "ان الاسلام عثيدة عدوة للحضارة مواتية منهجيا للجهل و الطغيان و العبودية ..

.. الاسلام ليس مثيلا للمسيحية، فهو لا يدعو الى كراهية الظالم ولا الى حب الحرية" 

وتابع الفرنسي آرنست رينان تكرار الموروث الظالم عندما توصل الى ان اليهود و العرب تركيبة سفلى من الطبيعة البشرية

تميز القرن ال ١٩ بخضوع العالم الاسلامي لشتى اشكال الاستعمار الاوروبي على خلفية هذا الموروث الفكري الجائر 

 عندما دخل الجنوال اللنبي دمشق محتلا اعلن ان الحملات الصليبية قد اكتملت 

ولما وقف عند قبر صلاح الدين الايوبي صاح: "هاقد عدنا يا صلاح الدين، زعم المستعمرون انهم كانوا يجلبون التقدم و التنوير 

اظهر المستعمرون حقدهم الدفين على الاسلام فقال اللورد كرومر في مصر ردا على محاولات محمد عبده الاصلاحية ..

.. "ان الاسلام ليس في وسعه ان يصلح نفسه و ان العرب غير قادرين على اصلاح مجتمعهم"

توصلت آرمسترونغ الى ان المسلمين في البدء ما كانوا يعرفون تفاصيل الموروث المسيحي عن الاسلام و المسلمين 

لما احتكوا بالغرب المسيحي من خلال الاستعمار اعجبوا بنوعية واسلوب الحياة الغربية الذي بدا لهم انه يقدس مثلا كثيرة 

ولكن في السنوات ال ٥٠ الاخيرة خسر الغرب هذا الاتجاه عندما بدأ العالم الاسلامي يكتشف تدريجيا عداوة الغرب و حقده على النبي محمد

قالت: " اننا في الغرب ننتج باستمرار انماطا جديدة كي نعبر عن كراهيتنا المتأصلة في نفوسنا تجاه الاسلام"

حتى في القرن العشرين، ما زال الموروث الجائر عن الاسلام حجر الزاوية في احكام اكثرية المثقفين الغربيين عليه 

مثلا يرى فاس ولدون وهو يناقش ردود فعل المسلمين على اساءات سلمان رشدي ان القران ليس اداة للفكر بل اداة كبح للتفكير 

في المقابل ولد في القرن ال ٢٠ بين المثقفين المسيحيين كثيرون ممن تمردوا على الموروث المسيحي عن الاسلام 

بل وحاولوا توسيع فهم الغرب للاسلام من امثال لويس ماسينيون و جيب هنري و مارشال هودغسون وولفريد سميث 

سار هؤلاء على خطى بطرس المبجل و استخدموا المعرفة لدحض التعصب الذي كان في عصرهم 

قال ولفريد سميث: "ان القسم المسلم من مجتمع بشري لا يمكنه ان يزدهر الا اذا كان الاسلام قويا وحيويا و نقيا و مبدعا و سليما" 

خخصت آرمسترونغ الفصل الثاني من كتابها بعنوان "محمد رجل الله" ضمن تفصيل سيرته صلى الله عليه و سلم الذاتية 

اعتمدت على كتب السير الاولى للمسلمين مثل ابن اسحاق، ابن سعد، الطبري والواقدي

اكتسحب في فصول كتابها كل مافي الموروث المسيحي من تلفيق عن حياته و رسالته بادئة بالبيئة التي ولد فيها صلى الله عليه وسلم

كتبت عن محيط سكان مكة الوثني و ظهور قلة المتحنفين الموحدين واحوال قريش و نجاحاتها التجارية 

تناولت آرمسترونغ بشرية محمد، فهو رقيق رحيم لطيف يغضب و يضحك. قالت: "لو كان باستطاعتنا ان ننظر الى محمد ..

.. مثل ما ننظر الى شخصية تاريخية هامة، فاننا بالتكأكيد سنعتبره بكل تأكيد واحد من اعظم العباقرة الذين عرفهم العالم 

تناولت آرمسترونغ في كتابها عن الجاهلية، وطفولة النبي و ارهاصات النبوة ونزول الوحي ومقاومة صناديد قريش لنبوته 

تناولت ايضا في كتابها دهوة النبي لقبائل مكة و الطائف وحزنه على وفاة عمة وهجرته الى المدينة 

تحدثت في كتابها ايضا عن زواج النبي من عائشة ام المؤمنين و الاقاويل التي اتسمت بالتجني و البذاءة و الحقد الدفين 

وتحدثت في كتابها بموضوعية عن مقاومة اليهود للنبي و الاسلام رغم المعاهدة التي بينهما 

قالت آرمسترونغ: "يصعب علينا نحن الغربيين مناقشة علاقة محمد مع اليهود لانها تبرز اشباحا كثيرة مخجلة من ماضينا" 

اضافت: "لم تكن لدى محمد رغبة في جعل المدينة خالية من اليهود، كان صراعه مع بني قينقاع سياسيا محضا .. 

.. لم ينتقل محمد لعشائر يهودية في المدينة بقت وفية للمعاهدة وعاشوا مع المسلمين في سلام ولم يجلهم من المدينة الا بعد محاولتهم قتله" 

ردت آرمسترونغ تهم وشبهات ان الاسلام دين السيف يقدس العنف و عدم التسامح، وهذه تشويه للحقائق 

قالت ان الفترة التي بعث فيها كانت فترة فوضى و تردد ولا يمكن تحقيق السلام فيها الا بالسيف 

اشارت ايضا: "كثيرا ما يشير القران الى ان الحرب مقيتة وانه ينبغي على المسلمين ان لا يبدأوا بالعداوة ..

.. ان الحرب الوحيدة العادلة هي حرب الدفاع عن النفس، ان لفظة الاسلام تعني السلام و المصالحة"

كما تناولت بروح التفهم قضية تعدد الزوجات في السلام و انه ليس لتحسين الحياة الجنسية لدى الرجال بل جزء من تشريع اجتماعي 

كان التعدد حلا لمشاكل ارامل قتل ازواجهم في المعارك وكن بحاجة الى رجل يحميهن، ومن شروطها طبعا هي العدل 

تحدثت آرمسترونغ عن الحجاب وكيف ان المراد منه ليس الحط من قدر النساء بل دلالة على مركزهن الرفيع في الاسلام 

زوجات الصليبيين اخذن الحجاب آملات ان يلقين معاملة افضل بعد ان رأين الاحترام الذي حظيت به النساء المسلمات 

قالت: "اننا في الغرب ندعوا الى مساواة النساء و تحريرهن وفي الوقت نفسه نحط من قدرهن في الاعلانات و الافلام الاباحية" 

من اجمل ما كتبت آرمسترونغ: "كان عبقريا و الاسلام دينا عمليا وواقعيا، الذكاء البشري والوعي الالهي يعملان بانسجام جنبا الى جنب"

تولدت لدى الغرب عبر القرون الى اعتبار محمد شخصية صارمة، محاربا شرسا و سياسيا صلبا 

ولكن في الحقيقة كان رجلا ذا مشاعر تفيض بالرقة و الطيبة، احب حتى الحيوانات، لوم يكن ليزعج قطة اذا وجدها نائمة على عباءته 

لقد نمى المسلمون من خلال الاقتداء بمحمد هذا الحس العميق بالاخوة و التضامن 

لقد استمرت المثل العليا التي الهمت محمد و الخلفاء الراشدين من بعده في ان تكون قوة كبيرة في المجتمع الاسلامي .. انتهى ..

اكثروا من الصلاة و السلام على النبي محمد صلى الله عليه و سلم ..