Tuesday, September 30, 2014

الرحالة الايطالي لودفيكو دي فارتيما


الرحلات المحرمة 

عالم الرحلات و الرحالة مليء بالقصص المثيرة التي تربطنا بالماضي الاسلامي المجيد 

حفلت المكتبات الاوروبية بقصص عدد من المغامرين المسيحيين ممن دخلوا الى مكة و المدينة رغم انهما محرمتان لغير المسلمين

تعددت اغراض المغامرين، منهم جواسيس لقوى مسيحية كبرى تنافست للسيطرة على العالم الاسلامي 

و منهم من ادعى البحث العلمي لاستكشاف المجهول والغير معروف لدى الغرب المسيحي، ومنهم لغرض التبشير بالنصرانية

مابين اعوام ١٥٠٣ - ١٩٤٨ للميلاد، كان هناك ٥٤ مغامر اوروبي مسيحي دخلوا الى مكة المكرمة و المدينة المنورة 

عاد المغامرون الى اوروبا ليكتبوا عن رحلاتهم و استكشافاتهم، ووصفوها وصفا دقيقا و جميلا لاحوال المسلمين في تلك الحقبة

في كل تلك الرحلات، لم يسجل التاريخ قتل اي مسيحي دخل الى مكة و المدينة عكس ما يدعون، اقسى عقوبة كانت الابعاد

عدد من الرحالة المسيحيين جاؤا للحج كجواسيس لتتبع الحركة الاصلاحية بقيادة محمد ابن سعود و محمد بن عبدالوهاب

نوردها لكم تغريدات قادمة على مدار الشهر، لاشهر الرحلات الغربية "المحرمة" لمكة و المدينة 

اولى الرحالة هو الايطالي لودفيكو دي فارتيما، و المعروف بالحاج "يونس المصري"، وهو اول مسيحي يدخل البقاع المقدسة 

عاصر الرحالة فارتيما، المستكشف البرتغالي فاسكو دي جاما، مكتشف طريق رأس الرجاء الصالح البحري 

ولد في بولونيا بعيد سقوط القسطنطينية عام ١٤٥٣ على يد السلطان العثماني محمد الفاتح 

ولدت لديه غريزة حب الاستطلاع و المغامرة وزيارة الشرق الاسلامي، ودامت رحلته خمس سنوات 

خلال رحلته صادف الجوع و العطش و البرد و الحر والحروب و الاعتقال و الرعب و جميع المخاطر بانواعها 

ابحر من البندقية عام ١٥٠٣ للميلاد الى الاسكندرية، و منها الى القاهرة التي تفاجأ بازدحامها اكثر من روما 

غادر بعدها الى بيروت، وكانت مزدحمة بالسكان المسلمين ولديها ميناء يزخر بالبضائع المختلفة 

واصل بعدها رحلته الى طرابلس، و منها الى حلب ثم دمشق، تظاهر بالاسلام و تعلم اللغة العربية وسمى نفسه يونس المصري

التحق فارتيما بجيش المماليك الذي كان يحكم الشام ويسيطر على الحجاز، مما سهل له دخول مكة لاحقا كجندي من دولة 

وصف جنود المماليك بانهم اكثر انضباطية و احسن تدريبا، ولا يمشون فرادى، بل اثنين اثنين، وقال في وصفهم: ..

رأيت واحدا منهم يجري بالفرس عدوا ثم يفك سرجه ويضعه على رأسه ثم يعيده الى وضعه. 

كانت مكة طوال ال ٩٠٠ عام، لا يعرف عنها الغرب المسيحي شيئا

في دمشق، شاهد استعداد قوافل الحجاج لاداء فريضة الحج، وتعرف خلال تلك الفترة على امير الحج المملوكي عام ١٥٠٣

دفع له المال ليرافقة لرحلة الحج كاحد حراس القافلة التي كانت تضم ٣٥ الف جمل و ٤٠ الف حاج

كانت الرحلة تستغرق ٤٠ يوما من دمشق الى مكة، كلف خلالها فارتيما مع ٦٠ جنديا بحراسة قافلة الحج 

طوال الرحلة، كانت القافلة تسير في طريق من بئر لبئر لترتوي، ان لم تجد الابار، كانوا يحفرون الارض بحثا عن الماء

بعد ثمانية ايام، مرت القافلة بارض قوم لوط، ووصفها فارتيما بانها صحراء جرداء لا ماء فيها ولا حياة 

قال عنها في مذكراته، ان هناك قوما اشرار عاشوا في تلك المنطقة، الارض ميته وعاقب الله القوم لانهم كفروا بانعمه 

في مذكراته ايضا قال ان القافلة تعرضت لهجوم قطاع الطرق، وحاصروها يومين كاملين الى ان انسحبوا بعد نفاذ الماء 

عانت القافلة ويلات الهلاك خلال ١٥ يوما من السفر المتواصل في صحراء لا ماء فيها ولا طير ولا دواب 

خلال الرحلة مات كثير من افراد القافلة بسبب الظمأ و الجوع و الامراض 

اخيرا وصلت القافلة الى مشارف المدينة المنورة، وتوقفت عند بئر خارج المدينة، وفيها اغتسل كل فرد قبل الدخول للمدينة 

دخل فارتيما لاول مرة المدينة المنورة كأول مسيحي ومكث فيها اربعة ايام زار فيها قبر الرسول صلى الله عليه وسلم 

كانت الروايات الشائعة في الغرب المسيحي ان قبر الرسول صلى الله عليه وسلم معلق في الهواء في مكة

وكان فارتيما اول من كذب هذه الرواية في مذكراته 

وصف فارتيما المسجد النبوي ذلك الوقت بانه فيه بابان من كل جهاته الثلاث ما عدا جهة القبلة الجنوبية

كانت داخلها مكتبة فيها كتب عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وللمسجد ٣٠٠ عمود و ٣٠٠٠ مصباح تضاء ليلا

لم يسعفه الوقت لوصف المزيد عن المسجد النبوي و حياة الناس في المدينة المنورة بسبب استعجال القافلة للرحيل لمكة  

غادرت القافلة الى مكة، ووصلت لها بعد ١٠ ايام متواصلة من السفر عام ١٥٠٣، اي بعد خمسة اشهر من مغادرة فارتيما البندقية

وصف مكة في ذلك الوقت بانها جميلة وتضم ٦٠٠٠ اسرة، ولا يحيط بها اسوار، بل محاطة بسلسلة من الجبال الطبيعية

كان لها اربعة مداخل، و حاكم مكة احد الاشراف، وكان على خلاف دائم مع اقربائه حول حكم مكة 

كانت مكة شحيحة الماء وتعتمد على تجمعات مياه الامطار و بعض الابار القريبة و ترد المؤن لها بحرا من  القاهرة و اليمن و اثيوبيا 

مكث فارتيما في مكة ٢٠ يوما وفي وصفها قال بانه لم يجد ابدا تجمعا هائلا للبشر في مكان واحد ووقت واحد - الحج

وصف قافلة وصلت قبل قافلتهم بثمانية ايام من مصر وتضم اكثر من ٤٦ الف جمل

جذبه جمال الحرم المكي الذي شبهه بالكوليسيوم في روما، الا انه مبني من الطوب الاحمر بدلا من الحجارة 

كان للمسجد الحرام مائة باب، وكانت للكعبة رائحة جميلة ومعطرة بالمسك ومغطاة بالحرير الاسود 

كان ارتفاع باب الكعبة بارتفاع قامة الانسان، وفي كل ركن من اركان الكعبة حلقة كبيرة 

كان الزمزمي عند بئر زمزم يصب على كل حاج ثلاث جرادل من الماء، كما لفت نظره حمام الحرم المنتشر في كل مكان 

وقال ايضا انه كان في مكة حيوانين لوحيد القرن اهداهما ملك اثيوبيا لحاكم مكة تقديرا لوفائه 

بعد خمسة ايام من وصوله، بدأ الحج، وصعد عرفة، واستمع للخطبة و عاد الى منى لرمي الجمرات وذبح الاضاحي 

كاد امره ان يفتضح ذات يوم عندما شك في امره رجل وقال انه غير مسلم، اعترف انه ايطالي ولكنه اسلم في القاهرة، فتركه الرجل

تناقش مع اهل مكة عن اسباب اختفاء التوابل القادمة من الهند بسبب ان سيطرة البرتغاليين عليها بدلا من المسلمين 

اخفى فارتيما سعادته بسيطرة البرتغاليين حتى لا يفتضح امره و انهال بالسب و الشتائم على البرتغاليين في تقية منه  

غادر فارتيما مع قافلة هندية الى جدة، حيث وصفها بانها مدينة بلا اسوار، قليلة الماء محاطة بمنازل جميلة

لم يصفها كثيرا، كانت فيها ٥٠٠ اسرة، سكانها مسلمون، لا زرع فيها و الامواج تتلاطم على جدران منازلها 

غادر جدة مبحرا الى بلاد فارس وكانت رحلة محفوفة بالمخاطر بسبب الشعب المرجانية، بعد ستة ايام وصل الى جازان

كانت جازان منطقة مثمرة مثل بلاد المسيحيين كثيرة الثمار و الاشجار و منظرها خلاب، وغادرها الى عدن 

في عدن تعرض لاصعب المشاكل خلال رحلته حيث القي القبض عليه و اتهم بالتجسس لصالح البرتغاليين 

بقي مسجونا و مكبلا بالاغلال ٦٥ يوما، وانقسم العدنيون، منهم من قال باعدامه، و منهم من قال بالتحقق من اسلامه 

بعد ان عجز عن النطق بالشهادتين، ادخل السجن لثلاثة اشهر، وهناك نصحه السجناء ان السبيل الوحيد للخلاص هو التظاهر بالجنون

تظاهر بالجنون و كان يقذف الاطفال بالحجارة عندما يقذفونه، وكانت زوجة السلطان تراه من النافذه و تعطف عليه 

اخرجته من السجن ووضعته في غرفة اسفل قصرها الى حين رجوع زوجها من احدى غزواته 

عندما عاد زوجها، طلبت منه ان يعرض فارتيما على اطباء ليتأكدوا من صدق جنونه

قال الاطباء عنه انه درويش من الصالحين، اطلق سراحه، واستغل الفرصة و اكمل رحلته الى بلاد فارس 

وصل الى بلاد فارس و منها الى الهند حيث انضم للبرتغاليين الذين استولوا على موانئ التوابل من المسلمين 

عاد بعد خمس سنوات من رحلته الى لشبونة، وفيها قلد وساما تقديرا لخدمته في الجيش 

في نوفمبر من عام ١٥٠٨، القى محاضرة في جامعة البندقية عن رحلته في بلاد المسلمين ولاقى احسانا و تصفيقا حارا من الحاضرين

نشر رحلته في ميلان عام ١٥١٩، واختفى فارتيما ولم يعرف بعدها ماذا حصل له واين مات 

بقيت شهرته انه اول مسيحي يدخل المدينتين المقدستين مكة المكرمة و المدينة المنورة ………. انتهى 

محاولة أولى ..

هذه أولى محاولات نشر المدونة ..