Friday, December 19, 2014

رحلات محرمة - الرحالة هينريخ فون مالتزان


ولد الرحالة هينريخ فون مالتزان في المانيا عام ١٨٢٦ و درس القانون في هايدلبيرج

بسبب اعتلال صحته وهو في الخامسة و العشرين، قضى سنواته منذ عام ١٨٥٠ في الترحال و اظهر حبا للسفر و قدرة فائقة على الملاحظة 

عندما ورث من والده ثروة عام ١٨٥٢، وسع ميدان رحلاته فزار المغرب و مصر و فلسطين قبل ان يعود لبلاده عام ١٨٥٤

كان مالتزان قد التقى الرحالة البريطاني الشهير ريتشارد بيرتون  بعد عودته من الحج عام ١٨٥٣، وزار الجزائر بين عامي ١٨٥٦-١٨٥٧

تعلم مالتزان الدين الاسلامي و اتقن اللهجة المغربية و تشبع بروح الشرق و تولدت لديه روح قوية لزيارة مهد الاسلام 

نجح مالتزان عام ١٨٦٠ في القيام برحلة الى مكة للحج منتحلا صفة واسم حاج مغربي اسمه سيدي عبدالرحمن بن محمد السكيكيدي

كان مالتزان وقتها من بين ١٢ اوروبيا تمكنوا من دخول مكة، ولكنه نجا بحياته هربا من مكة الى جدة ولم يتمكن خلالها من زيارة المدينة المنورة

نجح في كتابة رحلته الى الحج في ٧٥٠ صفحة باسلوب قصصي مرح و ممتع و متنوع بعيدا كل البعد عن السياسة 

كان مالتزان ضجرا من الحياة في اوروبا و مخترعاتها و غضب عندما رأى القطار في الاسكندرية و كان يصفها من صنع الشيطان 

بدأ مالتزان استعداده لرحلة الحج عندما كان في زيارة للجزائر، التقى برجل من شمال افريقيا ممن يتعاطون الحشيش

ساعده في الحصول على جواز سفر فرنسي و كافأه مالتزان باعطائه مبلغا ماليا معتبرا يكفيه للتمتع بالحشيش ٦ اشهر

تظاهر باعتناق الاسلام و توجه من الجزائر الى مارسيليا ومنها الى مالطا و ابحر بعدها بباخرة الى الاسكندرية منتحلا اسما عربيا

خلال تواجده في مصر و حرصا على اخفاء شخصيته، تجنب الاحتكاك بالاوروبيين 

تعرف خلال تلك الفترة على شخص يدعى الشيخ مصطفى والذي كان متوجها الى الحج و رافقه طوال فترة الرحلة الى مكة 

غادر القاهرة عام ١٨٦٠ الى قنا و غادر بعدها الى ميناء القصير على البحر الاحمر و منها ابحر ليلا الى ينبع 

على غير العادة كان البحارة العرب يتجنبون الابحار ليلا لخطورة البحر الا انه وصل الى ينبع بسلام ومنها توجه الى جدة بحرا 

وصل مالتزان الى جدة في شهر رمضان، و بسبب جنسيته، قرر الجمارك ان يدفع ١٠٠ قرش 

كان صعبا على مالتزان اخفاء امواله عن اعين اللصوص، فتمكنوا لاحقا من سرقة ٥٠٠ قرش 

لزم مالتزان رفيقة مصطفى طوال فترة اقامته في جدة في غرفة واحدة، وزار خلال تواجده في جدة مقبرة امنا حواء 

غادر مالتزان الى مكة فكان وقت وصوله اليها وقت السحور، نزل مالتزان في بيت على سفح احدى تلال مكة الشمالية الغربية 

جلس في هذا البيت ٢٠ يوما وكان يسكن معه افغان. وكان قد وصل منهم عدد قليل بسبب المشاكل في بلادهم في تلك الفترة 

كان مالتزان مرتاحا لانه لم يرى بينهم حجاج من من شمال افريقيا، لانه كان يخاف ان ينكشف امره 

وصف مالتزان الصلاة كا يؤديها المسلمون وسجل رأيه في تعاطي الحشيش، كما تحدث عن نكاح المتعه الذي يبيحونه خلال تواجدهم في الحج 

وسجل مالتزان ما رآه من سكارى مدعيا انهم بنفس العدد من السكارى الموجود في بريطانيا و امريكا 

وصف مالتزان ازدحام الحجاج في المسجد الحرام و كانهم علب ساردين، وقال ان منظر الطائفين قوي في غرابته و حتى في رعبه 

قال ان في مكة يستوي الصحيح و المريض، الكل يصدح ب لبيك اللهم لبيك، هناك العديد ممن جثا على ركبتيه رافعين ايديهم امام الكعبة 

في الحرم، ينسى المسلم من حوله و ينسى حتى رفاقه، ولم يسيطر عليه الا ان يتأمل مشهدهم المقدس 

شاهد مالتزان الكعبة وقد جردت من ثوبها القديم ليكسوها الكسوة الجديدة

لم يحاول ان يدخل الى جوف الكعبة الا انه نجح في نسخ خط كوفي تبين لاحقا انها عبارة لا اله الا الله 

استمتع مالتزان بتنوع اعرق الناس في شوارع مكة و تبدل نهر البشر من لحظة لاخرى 

قارن مالتزان بين وضع مدن اوروبا الممل و منظر الحجاج في امواج متباينة من عدة جنسيات و اعراق متنوعة تتحرك بصعوبة في الشوارع

عند وصف الصفا و المروة وجد فيه منظرا لا يتكرر مثيله في العالم، حجاج بلباس الاحرام نصف عرايا وقد علاهم الغبار من طول السفر

رغم حرارة الشمس و تعبهم و المهم و انهاكهم، الا ان شعور الحماس كان يطغى عليهم صعودا و هبوطا وهم يرفعون اصواتهم بالدعاء 

عندما وصل مالتزان صعيد عرفة، كانت جنباته مضاءة بفوانيس صغيرة، وعلى مد البصر، لهب النار التي اشعلها الحجاج امام مخيماتهم 

عندما ارتفعت شمس يوم عرفة، تحرك صديقه مصطفى ليشارك في اعمال ذلك اليوم وليحمل لقب حاج، الا انه توفي بعدها بساعات 

دفن مصطفى على الفور، وكان من يموت في ذلك اليوم يحمل لقب شهيد. لم يكن يسمع في ذلك اليوم الا لبيك اللهم لبيك 

عند اقتراب زوال يوم عرفة، تتكاثر الحشود، تظاهر مالتزان بالتأثر فحمل منديلا ابيض و بدأ بمسح دموعه 

تدافع الحجاج نازلين من جبل الرحمة نحو بركة من الماء فتعثر كثيرون و سحقتهم الاقدام 

بعد النفرة من عرفة الى مزدلفة، تسبب قنديل في احراق احرامه فانقد ما يمكن انقاذه و اصبح ربع عريان 

بعد رمي جمرة العقبة، كان مالتزان متشوقا للعودة الى مكة ليأخذ حماما 

كان يرافق مالتزان دليله الذي يحاول ان يرفع من مكانته، فاطلق عليه لقب امير الجزائريين 

لما وصل مالتزان الى الحمام، وجد امامه عدد من الحجاج الجزائريين الذين سمعو دليله بناديه بامير الجزائريين  

لم يتعرف عليه الحجاج الجزائريين ثم بدأو يسألون دليله عنه الى ان استنتجوا انه لابد ان يكون مسيحيا متخفيا 

كان مالتزان يسترق السمع من هذا الحوار فكاد ان يتوقف قلبه عندما سمع كلمة مسيحي 

قبل ان يبلغ الجزائريون السلطان عنه، غادر مكة عن طريق ضواحيها متخليا عن لقبه و دليله، فاشترى حمارا و دليلا ينقله الى جدة 

كانت في ميناء جدة سفينة انجليزية، فحجز فيها مقعدا متجها الى بومباي 

ارسل مالتزان جواز سفره الفرنسي الى صديقه الحشاش في الجزائر الذي لم يصدق ان مالتزان قام برحلة للحج 

قضى مالتزان بقية حياته في الاسفار قبل ان يصاب بمرض عصبي سبب له آلاما مبرحة، و انتحر عام ١٨٧٤ ……… انتهى 

Friday, November 7, 2014

رحلات محرمة - الرحالة ريتشارد بيرتون


ولد ريتشارد بيرتون في مارس من عام ١٨٢١ بمقاطعة هارفوردشاير في بريطانيا لعائلة رفيعة النسب افتقرت بعد غنى 

نشأ بيرتون عاشقا للترحال و التشرد، وفي ال ١٩ من عمره التحق بجامعة اكسفورد، ولكنه كره الجامعة بسبب نظامها الصارم 

تعلم اللغة العربية، وبعد تخرجة من الجامعة التحق بالجيش البريطاني في الهند عام ١٨٤٢، وفيها تزوج بفتاة هندية لفترة قصيرة 

عاد الى بريطانيا عام ١٨٤٨ وتزوج من ايزابيل سليلة اسرة لندنية عريقة

وفي لندن اتفق مع الجمعية الملكية الجغرافية تمويل رحلة استكشافية الى مكة المكرمة و المدينة المنورة 

تحرك بيرتون في رحلة الحج عام ١٨٥٣ على متن باخرة غادرت ساوثهامبتون جنوب بريطانيا متجهة الى الاسكندرية 

انتحل بيرتون صفة ولباس رجل من شيعة فارس و بقي في الاسكندرية شهرا ضيفا على صديقه البريطاني الذي يعيش في الاسكندرية 

بمساعدة احد العلماء المسلمين هناك تعلم كيف يتوضأ و يصلي و حفظ سورا من القران الكريم 

بعد مصاعب حصل بيرتون من القنصل البريطاني في الاسكندرية ما يثبت انه من الرعية الهندية - البريطانية، و انه طبيب

بسبب مظهره العام، وجد صعوبة في الحصول على وثائق السفر اللازمة لاداء فريضة الحج، ولقي احتقارا في التعامل من السلطات المصرية

بعد مصاعب كثيرة، حصل على جواز سفر، ولا يعتمد هذا الجواز الا بعد توقيع الضابط المسؤول

هناك عدة طرق للحصول على هذا التوقيع، اما بالرشوة، او التهديد او الالحاح المستمر بمداومة الحضور يوميا مصطحبا بعض المعارف 

وبعد ١٢ محاولة، حصل بيرتون على التوقيع بعد ان رشى احد العسكر بالتنباك و بعضا من المال 

لما وصل بيرتون الى القاهرة، وجد ان غالبية السكان من اهل السنة، فغير مذهبه الى مسلم سني من قبيلة البشتون في افغانستان 

نصحه احد اصدقاءه ان يتخلى عن طريقة الدراويش  و لبسهم لانه سيدفع بذلك ضرائب كثيرة قد تصل الى ٣ اضعاف ما يدفعه الحاج 

انتحل بيرتون صفة طبيب شرقي ولد في الهند لابوين افغانيين من ابناء كابل، و ان اهله ارسلاه للطواف و الترحال حول العالم 

استعد بيرتون للسفر الى الحج بعد عيد الفطر المبارك، و اكتسف ان جواز سفره يتطلب تاشيرتين من السلطات المصرية و البريطانية 

ذهب بيرتون الى الرواق الافغاني و استطاع الحصول على جوازهم مقابل ٥ قروش 

غادر القاهرة متجها الى السويس منتحلا اسم عبدالله بن يوسف و كان معه ٨٠ جنيها و ٥٠ ريالا و بعض الاغراض المتعلقة بالكتابة 

في الطريق الى السويس كان الجو ملتهبا و حرارة الارض تزيد من حرارة الجو، و كتب بيرتون في لقاءه الاول مع الصحراء ما يلي: 

" روحك المعنوية تؤكد انك اصبحك واضحا صريحا لا غموض فيك ولا لبس، اصبحت ودودا محبا كريما متفرد العقل ..

.. خلفت وراءك في المدينة روح الرياء و عبودية الحضارة، حواسك اسرعت للانطلاق و انت ترى الرمال انعم و اكثر راحة من اي فراش ..

.. نقاء الهواء يذيب عنك جيوش الامراض، كل البشر في الصحراء العظيمة يشعرون بان قلوبهم تتمدد ونبضهم يزداد قوة" 

وصل بيرتون الى السويس و كانت عظامه تؤلمه نتيجة الركوب، نزل في خان جرجس وكانت ليالي تعيسة قضاها هناك

كانت جدران غرفته رطبة و متشققه قذرة عامرة بالصراصير و النمل و الذباب، كانت القطط كالنمور مواؤها في الليل بشعا 

كانت الحمير تتسلل للغرفة ليلا و البعوض يغني اغاني النصر فوق جلودهم طوال الليل. نصحه الناس ان يوقع جوازه من محافظ السويس 

لاحظ بيرتون تناقص اعداد الحجاج من العالم الاسلامي. فكان يتناقص تدريجيا مه مرور الاعوام الى ان وصل في زمنه الى ٥ آلاف 

كان حجاج بخارى و فارس و الجراكسة و القرم و تركيا يفضلون الحج عن طريق السويس بسبب مخاطر الطرق البرية في بغداد و دمشق

كان الجو في مرسى السويس فوضى عارمة، كان الحجاج يتدافعون بقوة و المرسى مزدحم باقارب و معارف المودعين 

كان اصحبا القوارب يطالبون باجرتهم و النسوة يولولون و الاطفال يبكون، وكل من ركب القارب وجد انه قد فقد شيئا 

كانت حمولة القارب ٦٠ راكبا ولكن العدد تضخم في مركب بيرتون ليصل الى ٩٦ راكبا، ولم يرضى احد ان ينزل رغم اعتراض الركاب

كان الابحار نهارا بسبب خطورة مياه البحر الاحمر بصخوره و شعابه المرجانية، كان القارب يرسوا ليلا عند اول خليج يجده 

رسى القارب عند جبل عتاقة مساء، و قبل الوصول الى ميناء ينبع تراءى جبل رضوي وبعد ١٢ يوما من مغادرة السويس، وصل القارب لينبع

وصف بيرتون منازل ينبع القليلة البيضاء وفيها يترك الحجاج حاجياتهم الثقيلة التي يصعب نقلها 

استأجر بيرتون شقدفا له ولخادمه في قافلة يحرسها خيالة لتحمله بعد ان تورمت قدماه بسبب لدغة سامة 

كان الطريق من ينبع الى المدينة خطرا بسبب ثورة القبائل، ولكنه غادرها بعد التزود بالمؤن لمدة سبعة ايام و ايضا بالاسلحة 

لبس بيرتون لبسا عربيا ليتجنب دفع الضرائب التي كانت تفرض على الغرباء 

لفت نظر بيرتون دقة البدو في تسمية معالم الطريق و التي ترجع لسمو مداركهم و ملكاتهم الطبيعية 

انضمت قافلة بيرتون الى قافلة اكبر عددا و تسليحا، في الطريق سمعوا عن مجموعة تحصنت عند مضيق ضيق و طلبت منهم دفع الضرائب للمرور

لكن المجموهة افسحت لهم الطريق عندما علموا ان من بين القافلة ابناء لمكة و المدينة 

وصلت القافلة الى شعب الحج، وهو شعب سيء السمعة. خرست اصوات رجال القافلة و تغيرت ملامحهم للخوف و الجبن 

فجأة دوت اصوات بنادق من بين الصخور تجاه القافلة، ظهر قطاع الطرق بين الصخور مدججين بالسلاح متخذين مواقع بين التلال حول الطريق

وقف ارتفاع التلال ووهج الشمس حائلا دون ان يرى بيرتون الاشياء بوضوح ولم يستطع الحراس اطلاق النار على عدو لا يظهر

كانت نتيجة الهجمة فقدان قافلة بيرتون ١٢ رجلا و عدد من الجمال 

وصلت القافلة الى وادي العقيق وكان جافا كغبار الصيف، وما ان وصلت لاحد حرات المدينة حتى بانت منارات الحرم النبوي في الافق 

اوقف القافلة دوابها و جلسوا يتمتعون بمنظر المدينة، ارتفع حماس بيرتون و تعاطفه مع هذا المشهد، دخلت القافلة المدينة بعد ٧ ايام من مغادرة ينبع

عبرت قافلة بيرتون جسرا مقاما على بطن السيح و كان عرضه ٥٥ قدما 

توضأ بيرتون و توجه مباشرة الى المسجد النبوي للتحية و الزيارة. وقف بيرتون عند ما يسمى المواجهة و سلم على النبي و صاحبيه 

تجمع الاغوات لتهنئة بيرتون بتمام الزيارة وطلب الاعطيات و كلفته هذه الزيارة جنيها كاملا 

وصف بيرتون قبر النبي صلى الله عليه و سلم و البناء عليه ووصف ايضا دكة الكشف حيث صلى النبي عندما نزل عليه جبريل 

وصف بيرتون احياء المدينة وضواحيها و اسوارها و ابوابها و شوارعها و فنادقها 

تحدث بيرتون كثيرا عن اهل المدينة و اخلاقهم و عاداتهم في الحياة الاجتماعية و الزواج 

تزامنت زيارة بيرتون للمدينة مع تمدد نفوذ الدولة السعودية اليها و سيطرتهم عليها، قدر عدد سكانها ب ١٦ الفا 

الح عليه اصدقاؤه ان يسكن المدينة ويمارس فيها الطب، كان بيرتون ينوي البقاء في المدينة اكثر الا انه عجل السفر الى مكة 

اشترى مؤن تكفيه و رفيقه ١٤ يوما رغم ان الرحلة تستغرق ١١ يوما فقط تحسبا لتعرض مؤنهم للسلب و النهب 

مساء السفر كان منظر المناخة فوضى هائلة، خيام مطروحة على الارض و جمال تئن تحت وطئة لحمالها الثقيلة 

تحركت القافلة من الباب المصري الى محطة غراب. كانت القافلة تقطع ٢٥ ميلا في كل مرحلة قبل ان تستريح، وكانت رياح الظهيرة قاسية 

كانت الجمال بحاجة للماء بعد ٩٠ ساعة من السفر، ذهب مرافقه لجلب الماء من مسافة ميلين، كان العسكر حول البئر يبتزون الشاربين 

عاد رفيقه منتصرا بقربتين من الماء بعد ان صوب مسدسه على رأس من منعه، كانت لغة القوة هي السائدة 

كانت رياح السموم تهب بقوة و تؤثر على مزاج المسافرين، رأى بيرتون تركيا يتجادل مع عربي ولقي احدهم حتفه قتلا 

ذات مرة جلس بيرتون مع سلفيين وهابيين، اظهر احدهم كراهيته للدخان الذي يدخنه بيرتون

قدم بيرتون دخانه لاحد الوهابيين بابتسامة، فاستل خنجره ولكنه تراجع بعد ان سحب بيرتون مسدسه، لا يفل الحديد الا الحديد

وصلت القافلة لمكة في ٧ ذي الحجة عام ١٨٥٣، انخرطت القافلة في التلبية الحارة و البكاء 

توجه بيرتون الى الحرم للطواف بعد ان استراح لفترة من الوقت، عندما هبط الى صحن الطواف وقع نظره لاول مرة على الكعبة المشرفة 

من طرائف ما واجهه عند صحن الطواف بعض الحجاج يسألون عن اتجاه القبلة، كتب بيرتون كثيرا عن وصف الحجاج حول الكعبة 

تحرك بيرتون اول ايام الحج الى منى، كان الطريق مزدحما ومليء بالمشاحنات مختلطة باصوات التلبية و الحيوانات النافقة على الطريق 

تحركت القافلة الى عرفات حيث كان البشر اشد معاناة من الحيوانات، رأى بيرتون خمسة رجال موتى في الطريق بين منى و عرفات

تحولت عرفات الى مدينة للخيام، عند الظهيرة، تابع الحجاج موكب الشريف في طريقه الى قرب جبل الرحمة و حوله الحرس 

اثار انتباه بيرتون اسناء نساء تتردد يوم عرفه، كانت النساء ممن لا يستطعن اداء الحج يوصون محارمهم من الحجاج بالصياح باسمائهم

في عرفات ينتشر اللصوص، حيث شهر بيرتون احدى النساء وقد قبضت على احد اللصوص عند خيمتها 

عند الغروب بدأت فوضى نفرة الحجيج الى مزدلفة و تناثرت الخيام و تصادمت الجمال و بدا المكان و كأنه مكان موقعة حربية 

بات بيرتون في مزدلفة و جمع الحجارة وفي الصباح توجه للجمرات ونجى منها باعجوبة بعد ان تعثر و سقط ارضا 

بعدها تحلل من احرامه وحلق رأسه و هذب لحيته و قص اظافره 

اتيح لبيرتون دخول الكعبة. رفعه رجلان سمينان عند باب الكعبة و جذبه ثالث داخل الكعبة. قال ان جدرانها بلا نوافذ 

شهر بيرتون بالرهبة داخل الكعبة و تمكن من رسم صورتها الداخلية بقلم رصاص على احرامه 

بعد خروجه من الكعبة، كان عليه دفع ٧ جنيهات عند بابها. اخرج شاب من بني شيبة مفتاح الكعبة فدفع له بيرتون جنيها آخر 

كانت ايامه الباقية في مكة مبهجة و ناقش مع اصدقاءه فكرة القيام برحلة الى الشرق 

كما فعل في المدينة، زار بيرتون آثار مكة المعروفة و كتب عنها، و منها مقبرة المعلاة و مكان مولد النبي صلى الله عليه و سلم 

استأجر بيرتون جمالين في رحلة العودة الى جدة، وشعر فيها انه عاد لوطنه الثاني 

كانت جدة تعاني من اضطرابات بسبب تدفق الحجاج المغادرين و بسبب اضراب الجنود الذين لم يتلقوا رواتبهم منذ سبعة اشهر 

انتبه بيرتون الى تناول المسكرات في جدة و ظهور السكارى علنا، و الاكثر دهشة ان الناس يبدون غير مهتمين بذلك 

قبل ان يودع جدة، زار قبر امناء حواء وفي ديسمبر من عام ١٨٥٣، غادر بيرتون الى السويس 

عام ١٨٥٤، زار بيرتون منابع نهر النيل في افريقيا و مدينة المسلمين في الحبشة - هرر - و اكتشف بحيرة تانجانيقا 

عينه البريطانيون قنصلا في اسبانيا عام ١٨٦١، وقال فيها " ارسلوني هنا لاموت ولكني سأحيا رغم انوفهم" 

عمل دبلوماسيا في البرازيل عام ١٨٦٥ و من ثم الى دمشق عام ١٨٦٩، وفيها منع المبشرين من بني جلدتي من التبشير في سوريا بين المسلمين

كرهه اليهود لانه اوقف طمعهم و جشعهم، و كثرت ضده الشكاوي الى ان انهيت مهمته في بريطانيا عام ١٨٧١

منحته الملكة فيكتوريا لقب - سير - تقديرا لجهوده في البحث و الاستكشاف 

توفي بيرتون عام ١٨٩٠ عند سن ال ٧٠ عاما …. انتهى 



Sunday, October 26, 2014

رحلات محرمة - الرحالة جورج فالين


جورج فالين

ولد الرحالة جورج اغسطس فالين في فلندا عام ١٨١١، ودرس في مدرسة كنيسة ثم اكمل تعليمه الجامعي في جامعة هلسنكي 

درس اللغات الفرنسية، و الروسية، و الانجليزية، و الالمانية، و السويدية، و العربية و الفارسية و التركية، وفي عام ١٨٣٦، اتقن فالين ٩ لغات

عمل محاضرا في الجامعة و بعد وفاة والده عام ١٨٣٧، غادر الى روسيا ليدرس في معهد الاستشراق 

في روسيا تعرف على محمد عياد المصري الذي كان يدرس اللغة العربية، ومنه تعرف على تعاليم الاسلام 

عرض فالين على جامعته بهلسنكي القيام برحلة الى مصر و الجزيرة العربية بهدف الرفع من شأن جامعته في خدمة العلم 

وافقت الجامعة عى مشروعه، وقيل ان من المهام الموكلة اليه عندما كان في القاهرة، جمع معلومات عن قوة الوهابيين في نجد لصالح محمد علي باشا

تقرب فالين من محمد علي باشا عندما كان في القاهرة، وعرض عليه مسؤول مصري تمويل رحلته الى الجزيرة العربية 

الغرض منها تزويد الحكومة المصرية بتقارير عن الاوضاع السياسية فيها على ان يسافر كتاجر للخيول العربية الاصيلة، ولكن لم تثبت صحة الرواية 

تدرب فالين على الاعمال الطبية والعلاجية ليسافر كطبيب 

سافر فالين الى باريس فدرس المخطوطات العربية في مكتباتها و غادر بعدها الى اسطنبول ثم الى الاسكندرية و القاهرة 

قضى في مصر ٦ سنوات ليعزز معرفته بالاسلام و يحفظ القرآن و تعود على الصلاة و الصوم و اتخذ اسم عبدالولي او ولي الدين 

نصحه احد الفرنسيين ان لا يبدأ رحلته من القاهرة لان الوهابيين يشكون بكل الرعايا و الاصداقاء ومن يأتي عن طريق القاهرة 

قرر فالين ان يبدأ رحلته و ان يعبر الى نجد من شمال الجزيرة العربية و النفود 

توجه فالين الى برا الى عمان عام ١٨٤٥ مرورا بالعقبة، و منها الى الجوف بوابة النفود وقضى فيها ثلاثة اشهر 

توجه بعدها الى حائل و كان يحكمها عبدالله الرشيد وهو رجل يمتاز بشجاعه الشخصية و نشره للفضائل التي تلازم كل شيخ ناجح 

كل شخص يصل الى حائل وليس له اقارب او اصدقاء يسمح له بالاقامة في قصر الامير و يتمتع بالضيافة طوال مدة الاقامة 

وقال فالين عن قبيلة شمر بانهم شعب مغامر جدا مع نزعة طبيعية للتجارة و الحملات الحربية 

كان فالين يريد ان يخترق من حائل الى عمق نجد و الرياض، وبعد شهرين في حائل و بعد نفاذ المال، التحق بقافلة حج من بلاد فارس الى مكة

منذ التحاقه بالقافلة، توقف عن تسجيل ملاحظاته بسبب شعوره بالخطر من القافلة، ولانها لم تتوقف عن السير ابدا، ولا حتى للراحة  

وصلت القافلة من حائل الى المدينة في ٥٨ ساعه، وهو زمن قياسي وكان وقتها قد تعرض للارهاق، وكان معزولا بين حجاج فارس 

افترق فالين عن القافلة المتجهة الى المدينة و توجه الى جدة 

وليست هناك اجابة في انه هل توجه الى مكة مباشرة ام ان المرض اقعده حتى عاد الى القاهرة، ليست هناك اجابة عن هذا السؤال 

في عام ١٨٤٧ تأهب الى رحلة اخرى الى الجزيرة العربية، ووجهته هذه المرة كانت نجد، وفشل بعد ان اكتشف انه مسيحي منتحل للاسلام 

هرب الى بلاد فارس كاد ان يموت فالين في هذه الرحلة مع الجوع لولا ان انقذه بحار بريطاني واوصله الى البصرة و منها الى بغداد

في رحلته الثانية الى الجزيرة العربية عام ١٨٤٨، زار مكة و المدينة عن طريق المويلح على البحر الاحمر 

كانت الرحلة شاقة و مضنية و طويلة وصل فيها الى تبوك، وكتب ان الطريق كان مليئا بالحجارة، وجبال المنطقة تتكون من صخور رملية

زار فالين تيماء، وقال فيها ان سكانها من اتباع الحركة الاصلاحية لمحمد ابن عبدالوهاب، يتبعون المذهب الحنبلي المتشدد 

قضى اسبوعا في تيماء و غادرها الى حائل وجلس فيها شهرا ثم غادر الى بغداد 

سجل فالين في رحلته هذه معلومات لم يسجلها رحالة غربي قبل، وكان اول اوروبي يخترق شمال الجزيرة العربية بكاملها حتى حائل 

لم يكتفي بتسجيل ملاحظات عن الحياة الاقتصادية و الاجتماعية لسكان البادية بل سجل بذكاء معلومات جغرافية هامة و دقيقة

اعتبره الدارسون من اكثر الرحالة الغربيين تجوالا في شمال الجزيرة العربية بعد ان قضى متجولا في البلاد العربية و فارس ٧ سنوات

لم يجد فالين صعوبة في التحدث مع العرب و الانسجام في بيئة البادية وحياة البدو الرحل 

سجل له انه اول اوروبي يصل للجوف، وهو اكبر الرحالة الذين انجبتهم فنلندا عبر العصور ومن اشهر ابنائها على الاطلاق 

عاد الى هلسنكي عام ١٨٥٠ و معه ٣٤ كتابا و ١٩ مخطوطا عربيا، وفيما كان يعد العدة للعودة مرة اخرى، توفي عام ١٨٥٢ عن عمر ٤١ عاما

عندما نشر مذكراته عن مكة و المدينة و الجزيرة العربية ذاع صيته في اوروبا و عرفت اوروبا قيمته و فضله و اعتبرته من الرحالة الرواد

لم يقدم فالين تفصيلا دقيقا عن رحلته لمكة و المدينة التي كانت من اهدافه في رحلاته الاستكشافية في الجزيرة العربية 

عبر المستشرقون عن اسفهم ان لا يسجل فالين معلومات عن مكة و المدينة اليت زارهما مرتين لانه لو فعل لاثرى معلومات الاوروبيين

في رحلته الاولى من حائل للمدينة، لم يعلم الاوروبيون عن وجود طريق مباشر من طرق الحج المعروفة 

بعد تعدد رحلاته للجزيرة العربية ومخالطته للبدو، فكر في العودة مرة ثالثة ليعيش بين البدو لبعض الوقت، الا انه توفي 

عندما عاد فالين لاوروبا، لم يألف الحياة فيها بسبب تعوده و عشقه لحياة البادية، فمرض و اعتلت صحته 

كرمته المراجع العلمية في فرنسا و المانيا، انتخب بروفيسورا لجامعة هلسنكي وقام بالتدريس فيها خير قيام الا ان عشقه للصحراء كان اقوى

كان يتشوق لمغادرة الاجواء الضبابية في بلاده الى الشرق المشمس والى بساطة حياة العربي، الا انه مات بمرض السفلس عام ١٨٥٢ … انتهى 



Tuesday, October 21, 2014

رحلات محرمة - الرحالة تشارلز دوتي


ولد تشالرز دوتي في انجلترا عام ١٨٤٣لعائلة ارستقراطية، كان حلمه ان يكون ضابطا بحريا عندما يكبر، فشل بسبب فشل الفحص الطبي

درس الجيلوجيا ثم الادب الانجليزي القديم، ودرس اللغة الهولندية و الدينماركية و قاك بعدة رحلات لهولندا و فرنسا و ايطاليا في سن ال ٢٨

في عام ١٨٧٤، ادار انتباهه للشرق، وزار الجزائر و سوريا و لبنان وفلسطين و مصر و سيناء 

في طريقه لزيارة البتراء، سمع من البدو عن مكان يقع في طريق الحج اسمه مدائن صالح، وهو مكان غني بالنقوش و الاثار

قرر دوتي زيارة المنطقة رغم معارضة السلطات العثمانية و القنصل البريطاني في دمشق، كان يهدف احضار النقوش لدراستها في بلده 

في دمشق تعلم اللغة العربية و تدرب بدنيا للتكيف مع الصحراء، وكان هدفه زيارة مدائن صالح و دراسة النقوش و الآثار فيها

رافق قافلة للحج متجهة الى المدينة المنورة، و ارتدى زيا نصرانيا، وادعى انه نصراني سوري يدعى خليل 

بعد ثلاثة اسابيع وصل دوتي الى مدائن صالح عام ١٨٧٦، انفصل عن قافلة الحج و مكث في مدائن صالح شهرين يدرس آثارها 

ارسل ما كتبه عن نقوش و آثار مدائن صالح مع مسافر للقنصل البريطاني في دمشق ليتركها عنده كوديعه 

ترك دوتي طريق قافلة الحج و اتجه شرقا مع دليله الى تيماء، وصادف في طريقه اسراب الجراد

عاش دوتي بين البدو ٣ اشهر وحظي بكرم اسرة دليله 

قدمه الى زوجته حرفة وطلب منها اكرام دوتي. ولم تكن زوجته محجبة حسب تقاليد قبائل الشمال 

وصف دوتي كيف يقضي البدو يومهم، فقال "يشربون القهوة في الصباح و يتقاسمون القليل مما يتوفر من الدخان حتى وقت صلاة الظهر ..

.. ثم يعودون لخيامهم لتناول طعام الغداء من تمر و حليب ومن ثم يستريحون مع نسائهم"  

رغم ما ذكره من كرم اسرة دليله، الا انها كانت غاضبة عليه لانه احضر اليها غريبا، الا ان ذلك لم يمنعه من التمتع بكرم الضيافة 

حذره البدو من التجول منفردا بعيدا عن مضاربهم حتى لا يتعرض للاذى، ومع مرور الوقت شعر دوتي بانه واحد منهم 

لم يخفي البدو حيرتهم من وجود دوتي بينهم، هل هو جاسوس؟ ام طريد؟ ان غريب يبحث عن كنز؟ 

كان دوتي يتنقل معهم من مرعى لمرعى و يعيش معهم شظف العيش و يشرب من حليب النوق ويكتب ملاحظاته عن عاداتهم وتقاليدهم

عاش دوتي بين قبيلة بشر اجمل ايامه حتى انهم عرضوا عليه تزويجه لانه من الغريب ان يجلس رجل بينهم بلا زوجة 

شهد دوتي ما تعيشه البادية من غزو عندما هاجم مغيرين مضاربهم وساقوا ٥٠ من الابل، تابعهم اصحابها حتى اختفت آثارهم في النفوذ

اشتهر دوتي بين افراد القبيلة بانه طبيب، ولم يعترضوا على انكبابه على الكتابة، كانوا يجتمعون عند شيخ القبيلة مساء يتسامرون

في موسم الصيف، تعرضت القبيلة للسرقة و سرق ٦٠ من الابل، ونطلق الرجال خلفها الا انهم عادوا بعد ٤ ايام بخفي حنين 

اعتاد دوتي على الاقامة في البادية و كره ان يغادر القبيلة، الا انه اراد استكشاف الحرة 

كانت الحرارة شديدة جدا عند الحرة حتى ظن دوتي انه انه سيموت، كانت الرحلة قاسية وكان لا يشرب الماء الا القدر الذي يبلل الريق 

بلغ دوتي قمة الحرة وكانت ٥٠٠ متر فوق سطح البحر و كانت الحياة فوقها مستحيلة الا ان بعض القبائل كانت تسكنها الانها آمنة من النهب

عندما هبط دوتي من الحرة، اقام في مخيم ليرتاح، وبقيت في نفسه رغبة شديدة في استكشاف المزيد من الحرة 

عندما انقضى فصل الربيع وحل الصيف اغيرت طبيعة الارض، وكانت تراوده فكرة قطع رحلته الا انه سرعان ما يعاود التصميم على المضي قدما

عندما جفت مياه الصحراء، توجه افراد القبيلة الى الآبار في مدائن صالح حيث تختلف الحياة و يعيش البد على المضير او الاقط 

كان يتردد على مسامعه نقاشات بشان وضعه بينهم فمنهم من طالب بالتخلص منه بقتله و منهم من عارض ودافع عن بقائه 

وكلما شاركهم دوتي الاكل، كلما اطمأن على حياته، فالبدو يقدرون العيش و الملح 

بعد ان تحسنت صحته، غادر دوتي مدائن صالح الى اراضي نجد، وصل الى تيماء عند مطلع شهر رمضان 

لم يكن الجوع غريبا على اهل تيماء في رمضان، فكان سكانها يقضون معظم اليوم نوما تحت ظلال النخيل 

قضى دوتي معهم معظم رمضان و كان يعالج المرضى وحظي بضيافة اهل تيماء في منازلهم و انتقل لاخذ النقوش الاثرية هناك 

شارك اهالي تيماء في احتفالاتهم للعيد، ورقص النسوة في الاحتفال و طلبن منه ان يريهم رقص النصارى في عيدهم

عندما ابلغهم ن الرجل يرقص مع المرأة وصدره ملتصق بصدرها، لم تعجبهم هذه النذالة 

اتفق دوتي مع شيخ من شيوخ القبيلة على السفر الى حائل، وعندما تعذر ذلك، قرر مرافقة قافلة اخرى 

بدأت الامور تأخذ منحنى خاطئا بالنسبة لدوتي حيث قرر رجال القافلة السفر الى حائل دون التوقف، وكانت القافلة تسير ليلا و نهارا 

انهار بعير دوتي من الاعيا على مقربة من اجا و سلمى، عندها فقط قررت القافلة الراحة 

على مدخل حائل، تلقى دوتي تحذيرا من رئيس القافلة ان اناسها غيورون و نصحه ان لا يريهم كتاباته، وان يكتب ما اراد خفية 

دخل دوتي الى حائل وحيدا مع دليله بعد ان تركته القافلة عند قرية موقاق. كان نبأ وصول النصراني الى حائل قد سبقه قبل وصوله 

عندما دخا دوتي حائل، كان في حالة يرثى لها، كان متسخا وفي ملابس بالية، ولكنه شعر انه دخل عالم الحضارة 

كانت اسواق حائل مليئة ببضائع من بغداد و تشعل النار فيها بقدائح من فينا بدلا من القداحة الحجرية 

كان امير حائل على علم بقدوم دوتي، بل وكان على علم بوجوده في مدائن صالح 

كان دوتي يسمع عن مأساة التنافس بين حكام آل رشيد على الحكم الى ان آل الحكم الى محمد آل رشيد، وهو رجل في الاربعين من عمره 

التقى دوتي بالامير في مجلسه بعد يوم من وصوله، القى التحية في مجلس الامير فلم يرد احد عليه، اشار اليه الامير بالجلوس 

سزله الامير عن سبب مجيئه وعن حياته وسبب حياته مع البدو. أجابه دوتي بكل صراحة 

علق احد الجالسين على اجابة دوتي بانه رجل صدوق وليس مثل من سبقه - وكان يعني بذلك الرجالتين جورماني و بلجريف 

اعتبر دوتي ابن رشيد من اعظم امراء نجد في عصره، يحبه مواطنوه الانه اشاع الامن بينهم، ويخشون عقابه الشديد

قدر سكان حائل وقتها ب ٣٠ الفا، لقي دوتي من الامير كرما شديدا و دعاه عدة مرات الى مجلسه 

بقي دوتي في حائل شهرا يعالج المرضى، الشيء الذي ازال بعض الريبة عنه كنصراني بين سكانها، ومنهم من دعا له "جزاك الله خيرا" 

ومع اقتراب فصل الشتاء ووصول قوافل من العراق و بلاد فارس لموسم الحج ففكر بالرحيل 

تفاجأ دوتي بوجود ايطالي مع قافلة الحج كان قد عاش في سوريا ٨ سنوات، وقال انه سيكتب عن رحلته عند عودته الى روما 

لم يعثر له دوتي على اثر لاحقا وخشي ان يكون قد قتل خلال رحلة الحج 

قرر دوتي مغادرة حائل بعد ان اصبح البقاء فيها مملا وبعد ان اصبح طول بقائه يثير شكوك اهل حائل 

كان دوتي قد افلس وطلب من احد شيوخ آل رشيد مبلغا من المال فاعطاه ٣٠ ريالا، وطلب من امير حائل خطاب توصية لحمايته في الطريق 

كتب ابن رشيد توصية لاهل خيبر ممن يدينون له بالولاء و الطاعة ان لا يتعرضوا للنصراني بسوء 

غادر مع ثلاثة من مرافقيه الا انهم تخلوا عنه في الطريق، لقي عطفا من بعض البدو في الطريق فعرض له احدهم ايصاله لخيبر ب ٤ ريالات 

وصل دوتي الى خيبر وكانت واقعة تلك الفترة تحت السيطرة التركية، وكان حامي العسكرية هناك اسود من اصل حبشي 

صرح لهم دوتي انه انجليزي نصراني الا ان القائد العسكري امر بمصادرة حاجياته و فرزها، متجاهلا توصية امير حائل 

امام هذا الوضع وجد دوتي نفسه في موقف حرج، الا ان احد الحاضرين ويدعى محمد النجيمي طمأنه و حن عليه وكان له بمثابة الاب 

دعاه النجيمي لتناول الطعام في منزله متى ما اراد رافضا اخد اي مقابل مادي لقاء ضيافته، وكان الاثنان بمثابة الاخوين 

كان النجيمي يأخذه في حمايته عندما كان يقوم باستكشاف الحرات المجاورة رغم معارضة قائد الكتيبة العسكرية التركية 

لم يطلق سراح دوتي من خيبر الا بامر من والي المدينة العثماني الذي استلم تقريرا عنه وامر باخلاء سبيله و تسليمه كل مقتنياته 

نصحه والي المدينة بالعودة لحائل و زوده بخطاب توصيه وامر بتزويده بدليل يرافقه الى حائل 

غادر دوتي عام ١٨٧٨ الى حائل ثانية ملتمسين الضيافة عند البدو في الطريق 

طوال ثمانية ايام لم يصادف اي من مضارب البادية، فبلغ منهم الجوع و العطش مبلغه حتى انه تشاجر مرارا مع مرافقه وكاد ان يقتله 

كانت الطريق قاحلة، لا مرعى ولا ماء ولا طعام، صادفا في الطريق مضارب قبيلة حرب فاحسنوا وفادتهم ووجدوا عندهم الماء و الطعام 

عندما اقترب من حائل كان كل من يتعرف عليه يلوم دليله على مرافقته للنصراني، وصل دوتي لحائل بعد ١٦ يوما من مغادرة خيبر 

كانت حائل مقفرة وكأنها ميته وكان اميرها قد ذهب للغزو، ولكن نائب الامير رفض ان يبقى دوتي في حائل 

عندما سأله دوتي اين يذهب، قال له: من حيث اتيت. في الاخير سمح له نائب الامير بالبقاء ليلة واحدة، وكان عدائيا تجاهه 

في اليوم التالي كانت معنويات دوتي متدنية فلا يعرف الى اين يذهب ولا يستطيع المضي قدما ولا حتى العودة من شدة الارهاق 

عندما كان ينزل للسوق، يتجمهر حوله الناس بشكل عدائي ويدعونه للاسلام، وكان يرفض الدخول للاسلام ويصر على نصرانيته 

وبعد اسبوع غادر مع دليله باتجاه الجنوب الغربي على غير هدى حتى ان دليله ضاق به ذرعا و فكر بتركه و استوقى عليه واخد منه الجمل 

اجبر الدليل دوتي على المشي بقدميه حتى تقرحت وتمنى تلك اللحظة تمنى دوتي ان يموت على ان يحيا هذه الحياة البائسة 

في مكان يدعى غلفا، تركه دليله مع احد البدو وغادر. عرض عليه البدوي ايصاله الى اقرب مضارب بدو حرب الى الجنوب الشرقي 

بقي دوتي مع البدوي الغريب، وكانت زوجته تختلس النظر اليه من فترة لاخرى داعيه زوجها ان يساعد الغريب و يوصله الى اهله 

واجه دوتي لحظة عضيبة في ان يتخلى عن بعض كتبه لاجل ان يواصل رحلته، فدفن بعضها في مكان ما بكل احترام 

حين اراد السفر الى القصيم، سمع عن معارك بين ابن سعود وخصومه في القصيم، فآثر الانتظار الى حين انجلاء الامر 

اتفق دوتي مع دليل شمري يوصله الى بريدة مقابل ٥ ريالات. وصل دوتي الى بريدة بعد ثلاثة ايام وهي بلدة كبيرة مبنية بالطوب 

تحيط ببريدة اسوار وابراج وحول سورها اشجار و كثبان رملية، عندما وصل اليها سئل عن ديانته فقال لهم: انا مسيحي، اتريدون قتلي؟ 

فرد عليه احدهم: لا تخف، انها القصيم التي جاب اهلها بلدان العالم فمن رزى العالم فليس بجاهل سنتعامل معك بشكل حضاري 

امتدح دوتي اهل القصيم وافقهم المستنير الذي اكتسبوه باتصالاتهم مع قوافل الحج و تجارتهم مع العراق و نجد و الكويت و الخليج 

علم دوتي ان سكان بريدة لا يرحبون بالاجانب الغير مسلمين، ولما حانت الصلاة دعي للمسجد ولكن رفض وطلب منهم ايصاله لمكان ينام فيه

ولما انتهت الصلاة دعي لمجلس القهوة و سئل: هل انت المسيحي الذي كان في حائل؟ فعجل دوتي من سرعة انتقال الاخبار في المنطقة 

تعرض للنهب في المجلس من قبل اناس بعد ان رفض النطق بالشهادتين، وعروه من ثيابه الا ما يستر العورة 

ولما ذهب الى امير بريده ابلغه انهم نهبوه، فقال له ان من نهبوه ليسوا من اهل بريدة وامر باستعادة ما اخد منه والا قطع ايديهم 

واستعاد دوتي جميع مقتنياته التي سلبت منه 

كان الاطفال يقذفون دوتي بالحجارة و النسوة يصرخن عليه من خلف ابواب المنازل ولم يجد لديهم ادنى معاملة حسنة 

طلب منه امير بريدة مغادرتها فورا، وكان كل ما تبقى معه ٨ ريالات، وهي لا تكفي لايصاله الى مدينة جدة 

مزق دوتي بعضا من الخرائاط التي كان يحملها ليبعد الشكوك عن نفسه و استنجد بمن ياخذه الى مدينة عنيزة 

في صباح اليوم التالي، تبرع احد الاهلي باخذه على حمار الى مشارف مدينة عنيزة و تركه هناك 

على عكس ما واجهه دوتي في بريدة وجد في عنيزة عكس ذلك و التقى باحد وجهاء عنيزة ويدعى عبدالله الكنيني، وامر امير عنيزة بحسن معاملته 

طلب منه الامير ان لا يشيع عن نفسه انه نصراني وانه سيبقى بخير 

وصف دوتي امير عنيزة - زامل - بانه عادل و متحرر، ولكن عنه - علي - كان عكس ذلك، حتى انه غادر المجلس مرة عندما دخل دوتي 

كان عمه علي لا يريد ان يتواجد مع مسيحي. كان الجو مريحا في عنيزة عكس حائل التي كانت مضطربة 

كما ان اهالي عنيزة ليسوا متعصبين كما هم في بريدة، وليس هناك سجن في المدينة و كتانت العقوبات على الجناة فورية جلدا بالجريد

كون دوتي صداقة مع رجل الاعمال عبدالله البسام وقال عنه انه واسع الثقافة وليس هناك مثيل له في نجد 

بدأ دوتي يعيش على الضيافة ويعمل على علاج المرضى، ولكن انتشار خبر وجوده بينهم اثار حفيظه خطباء المساجد، وتناولوه في خطبهم 

بدأ الناس في التحول عنه فلازم دوتي المنزل نهارا و اقتصر تحركه ليلا لزيارة اصدقائه 

كان الكنيني و البسام من الذين ثبتوا على موقفهم الودي من دوتي حتى آخر لحظة، حتى ان الكنيني عرض اقراضة ٢٠٠ ريال اذا كان محتاجا

في يوم من الايام، استدعاه عم الامير - علي - و امره بمغادرة عنيزة فورا واحضر له جملا ياخذه الى الخبراء، وبقي فيها ٣ ايام 

امر امير عنيزه بعودة دوتي شرط ان يبقى في احد البساتين، فزاره الكنيني والبسام و تأسفا له وهما من اقترح ان يعود ليسكن في البساتين

قرر دوتي سرعة ترتيب رحلته الى جدة، وبعد ستة اسابيع في البستان رافق الكنيني في رحلته التجارية الى مكة

اعطاه الكنيني جملا ومرافق يعتني به، وكان من ضمن القافلة ابن للبسام يدعى عبدالرحمن، واعتذر له البسام و الكنيني مرة اخرى بسبب ما حصل

وصف دوتي عنيزة بانها اغنى مدن الجزيرة العربية وهي التي تسير القوافل من الشرق للغرب، وكانت لها تجارة مع الهند و مصر و افريقيا 

معظم سكان عنيزة من قبيلة تميم التي ورثت الذكاء و التجارة و مكنت عنيزة في ان تكون اغنى المدن من ناحية الدخل 

كانت القافلة تضم ١٧٠ جملا و ٧٠ رجلا موزعين على مجموعات صغيرة وكلها متجهة الى مكة وليس جدة 

في الطريق كانت الآبار الصالحة للشرب قليلة، وكانوا يتزودون بما يجدون من ماء مالح و ملوث، وكان الطريق مقفرا خاليا من الرعاة 

في احدى المرات، سرق دوتي قربة ماء ليشرب، وعندما اكتشف صاحب القربة كاد ان يفتك به لولا تدخل ابن البسام الذي امر باعطائه الماء 

كما تعرض دوتي لعدة محاولات سرقة و قتل، اولا انه كان يذكر مهاجميه بان بينهم عيش وملح و انه عاش في مضارب البادية كثيرا 

في قرن المنازل على مشارف مكة، احرم التجار، وطلب دوتي ان يذهب الى الطائف الى الشريف ليساعده على الذهاب الى جدة 

في احدى المرات تعرض دوتي لمهاجمة احد اللصوص وكاد ان يقتله لولا ان ذكره دوتي بان انجلترا سترسل سفنهم للانتقام منه

لم يستطع دوتي ان يذهب الى جدة بسبب انهاك و عجز جمله، وتابع سفره الى الطائف و تعرض مرة اخرى لمحاولة سرقة وقتل من جنود الشريف

جرده الجنود من سلاحه وملابسه مهددين بقتله الا انهم استجابوا لتوسلاته ليبقى على قيد الحياة 

مرت بجانبهم قافلة متجهة الى مكة، ولما سمع اصحابها ان هناك نصراني قال احدهم "اخس، نصراني .. لعن الله والده" 

كان يرافقه في القافلة رجل من المدينة المنورة كان متجها الى جدة وكان يتعامل معه بشكل عدائي في البداية الى ان تغير موقفه معه الى شكل ودي

وصل دوتي الى الطائف وكانت ارض مخضرة لم يرى مثلها مثيلا منذ ان غادر دمشق، وعندما دخل الطائف كان لباسه ممزقا و لحيته طويلة 

اخذ حماما و ذهب للحلاق وقص لحيته ثم ذهب لمقابلة الشريف بعد ان لبس زي جندي بطربوش، وشعر في مجلسه انه في عالم الحضارة 

طمأنه الشريف بانه يمكنه التجوال حيث شاء في الطائف، وعندما يرتاح، يرسله الى جدة عند القنصل البريطاني 

وجه الشريف بمتابعة الجنود الذين سرقوه فاستعاد مسدسه و امواله منهم و عاقبهم الشريف و نكل بهم ووضعهم في القيود 

بعد اربعة ايام توجه دوتي الى جدة تاركا مكة وراء ظهره، وفي الطريق مر على سوق عكاظ 

لم يعلم دوتي انه كان هدفا للقتل من مرافقيه البدو بسبب انه نصراني، وكانوا يبتسمون عندما يقول لهم بان الله معنا في كل مكان 

كان يأكل الطعام مع مرافقيه الا رجل واحد، كان لا يريد الاكل مع كافر. في النهاية اتفق دوتي معهم ان لا يتحدثوا عن الاديان لتجنب الحساسية

وصل دوتي الى جدة عام ١٨٧٨، وتوجه الى عدن ومنها الى الهند. عاد دوتي الى اهله في نوفمبر من نفس العام 

كان دوتي هزيلا و ضعيفا وقدرته على تحدث الانجليزية بطلاقة ضعفت لانه كان لا يتحدث الا بالعربية 

عاد دوتي الى سوريا حيث جمع كل كتبه التي تركها وديعه عند القنصل البريطاني، و سافر الى نابولي ليكتب عن رحلاته 

اجمع النقاد ان كتب دوتي عن الرحلات تحفة من تحف ادب الرحلات 

بعد ٣٠ عاما من مغادرة الجزيرة العربية، ارسل دوتي هدية الى البسام و الكنيني في بريدة عن طريق القنصل البريطاني في دمشق

لم تصل الهدية الى البسام و الكنيني لانهما قد توفيا. الا ان ابن البسام - سليمان - تسلم الهدية عن والده 

ارسل الهدية التي لم يستلمها احد من عائلة الكنيني الى كلية كايوس في كامبريدج، وعاش بعدها منطويا مريضا 

عناية زوجته له مكنته ان يبقى على قيد الحياة حتى توفي عام ١٩٢٦ وقد ناهز ال ٨٠ عاما ……. انتهى