Friday, November 7, 2014

رحلات محرمة - الرحالة ريتشارد بيرتون


ولد ريتشارد بيرتون في مارس من عام ١٨٢١ بمقاطعة هارفوردشاير في بريطانيا لعائلة رفيعة النسب افتقرت بعد غنى 

نشأ بيرتون عاشقا للترحال و التشرد، وفي ال ١٩ من عمره التحق بجامعة اكسفورد، ولكنه كره الجامعة بسبب نظامها الصارم 

تعلم اللغة العربية، وبعد تخرجة من الجامعة التحق بالجيش البريطاني في الهند عام ١٨٤٢، وفيها تزوج بفتاة هندية لفترة قصيرة 

عاد الى بريطانيا عام ١٨٤٨ وتزوج من ايزابيل سليلة اسرة لندنية عريقة

وفي لندن اتفق مع الجمعية الملكية الجغرافية تمويل رحلة استكشافية الى مكة المكرمة و المدينة المنورة 

تحرك بيرتون في رحلة الحج عام ١٨٥٣ على متن باخرة غادرت ساوثهامبتون جنوب بريطانيا متجهة الى الاسكندرية 

انتحل بيرتون صفة ولباس رجل من شيعة فارس و بقي في الاسكندرية شهرا ضيفا على صديقه البريطاني الذي يعيش في الاسكندرية 

بمساعدة احد العلماء المسلمين هناك تعلم كيف يتوضأ و يصلي و حفظ سورا من القران الكريم 

بعد مصاعب حصل بيرتون من القنصل البريطاني في الاسكندرية ما يثبت انه من الرعية الهندية - البريطانية، و انه طبيب

بسبب مظهره العام، وجد صعوبة في الحصول على وثائق السفر اللازمة لاداء فريضة الحج، ولقي احتقارا في التعامل من السلطات المصرية

بعد مصاعب كثيرة، حصل على جواز سفر، ولا يعتمد هذا الجواز الا بعد توقيع الضابط المسؤول

هناك عدة طرق للحصول على هذا التوقيع، اما بالرشوة، او التهديد او الالحاح المستمر بمداومة الحضور يوميا مصطحبا بعض المعارف 

وبعد ١٢ محاولة، حصل بيرتون على التوقيع بعد ان رشى احد العسكر بالتنباك و بعضا من المال 

لما وصل بيرتون الى القاهرة، وجد ان غالبية السكان من اهل السنة، فغير مذهبه الى مسلم سني من قبيلة البشتون في افغانستان 

نصحه احد اصدقاءه ان يتخلى عن طريقة الدراويش  و لبسهم لانه سيدفع بذلك ضرائب كثيرة قد تصل الى ٣ اضعاف ما يدفعه الحاج 

انتحل بيرتون صفة طبيب شرقي ولد في الهند لابوين افغانيين من ابناء كابل، و ان اهله ارسلاه للطواف و الترحال حول العالم 

استعد بيرتون للسفر الى الحج بعد عيد الفطر المبارك، و اكتسف ان جواز سفره يتطلب تاشيرتين من السلطات المصرية و البريطانية 

ذهب بيرتون الى الرواق الافغاني و استطاع الحصول على جوازهم مقابل ٥ قروش 

غادر القاهرة متجها الى السويس منتحلا اسم عبدالله بن يوسف و كان معه ٨٠ جنيها و ٥٠ ريالا و بعض الاغراض المتعلقة بالكتابة 

في الطريق الى السويس كان الجو ملتهبا و حرارة الارض تزيد من حرارة الجو، و كتب بيرتون في لقاءه الاول مع الصحراء ما يلي: 

" روحك المعنوية تؤكد انك اصبحك واضحا صريحا لا غموض فيك ولا لبس، اصبحت ودودا محبا كريما متفرد العقل ..

.. خلفت وراءك في المدينة روح الرياء و عبودية الحضارة، حواسك اسرعت للانطلاق و انت ترى الرمال انعم و اكثر راحة من اي فراش ..

.. نقاء الهواء يذيب عنك جيوش الامراض، كل البشر في الصحراء العظيمة يشعرون بان قلوبهم تتمدد ونبضهم يزداد قوة" 

وصل بيرتون الى السويس و كانت عظامه تؤلمه نتيجة الركوب، نزل في خان جرجس وكانت ليالي تعيسة قضاها هناك

كانت جدران غرفته رطبة و متشققه قذرة عامرة بالصراصير و النمل و الذباب، كانت القطط كالنمور مواؤها في الليل بشعا 

كانت الحمير تتسلل للغرفة ليلا و البعوض يغني اغاني النصر فوق جلودهم طوال الليل. نصحه الناس ان يوقع جوازه من محافظ السويس 

لاحظ بيرتون تناقص اعداد الحجاج من العالم الاسلامي. فكان يتناقص تدريجيا مه مرور الاعوام الى ان وصل في زمنه الى ٥ آلاف 

كان حجاج بخارى و فارس و الجراكسة و القرم و تركيا يفضلون الحج عن طريق السويس بسبب مخاطر الطرق البرية في بغداد و دمشق

كان الجو في مرسى السويس فوضى عارمة، كان الحجاج يتدافعون بقوة و المرسى مزدحم باقارب و معارف المودعين 

كان اصحبا القوارب يطالبون باجرتهم و النسوة يولولون و الاطفال يبكون، وكل من ركب القارب وجد انه قد فقد شيئا 

كانت حمولة القارب ٦٠ راكبا ولكن العدد تضخم في مركب بيرتون ليصل الى ٩٦ راكبا، ولم يرضى احد ان ينزل رغم اعتراض الركاب

كان الابحار نهارا بسبب خطورة مياه البحر الاحمر بصخوره و شعابه المرجانية، كان القارب يرسوا ليلا عند اول خليج يجده 

رسى القارب عند جبل عتاقة مساء، و قبل الوصول الى ميناء ينبع تراءى جبل رضوي وبعد ١٢ يوما من مغادرة السويس، وصل القارب لينبع

وصف بيرتون منازل ينبع القليلة البيضاء وفيها يترك الحجاج حاجياتهم الثقيلة التي يصعب نقلها 

استأجر بيرتون شقدفا له ولخادمه في قافلة يحرسها خيالة لتحمله بعد ان تورمت قدماه بسبب لدغة سامة 

كان الطريق من ينبع الى المدينة خطرا بسبب ثورة القبائل، ولكنه غادرها بعد التزود بالمؤن لمدة سبعة ايام و ايضا بالاسلحة 

لبس بيرتون لبسا عربيا ليتجنب دفع الضرائب التي كانت تفرض على الغرباء 

لفت نظر بيرتون دقة البدو في تسمية معالم الطريق و التي ترجع لسمو مداركهم و ملكاتهم الطبيعية 

انضمت قافلة بيرتون الى قافلة اكبر عددا و تسليحا، في الطريق سمعوا عن مجموعة تحصنت عند مضيق ضيق و طلبت منهم دفع الضرائب للمرور

لكن المجموهة افسحت لهم الطريق عندما علموا ان من بين القافلة ابناء لمكة و المدينة 

وصلت القافلة الى شعب الحج، وهو شعب سيء السمعة. خرست اصوات رجال القافلة و تغيرت ملامحهم للخوف و الجبن 

فجأة دوت اصوات بنادق من بين الصخور تجاه القافلة، ظهر قطاع الطرق بين الصخور مدججين بالسلاح متخذين مواقع بين التلال حول الطريق

وقف ارتفاع التلال ووهج الشمس حائلا دون ان يرى بيرتون الاشياء بوضوح ولم يستطع الحراس اطلاق النار على عدو لا يظهر

كانت نتيجة الهجمة فقدان قافلة بيرتون ١٢ رجلا و عدد من الجمال 

وصلت القافلة الى وادي العقيق وكان جافا كغبار الصيف، وما ان وصلت لاحد حرات المدينة حتى بانت منارات الحرم النبوي في الافق 

اوقف القافلة دوابها و جلسوا يتمتعون بمنظر المدينة، ارتفع حماس بيرتون و تعاطفه مع هذا المشهد، دخلت القافلة المدينة بعد ٧ ايام من مغادرة ينبع

عبرت قافلة بيرتون جسرا مقاما على بطن السيح و كان عرضه ٥٥ قدما 

توضأ بيرتون و توجه مباشرة الى المسجد النبوي للتحية و الزيارة. وقف بيرتون عند ما يسمى المواجهة و سلم على النبي و صاحبيه 

تجمع الاغوات لتهنئة بيرتون بتمام الزيارة وطلب الاعطيات و كلفته هذه الزيارة جنيها كاملا 

وصف بيرتون قبر النبي صلى الله عليه و سلم و البناء عليه ووصف ايضا دكة الكشف حيث صلى النبي عندما نزل عليه جبريل 

وصف بيرتون احياء المدينة وضواحيها و اسوارها و ابوابها و شوارعها و فنادقها 

تحدث بيرتون كثيرا عن اهل المدينة و اخلاقهم و عاداتهم في الحياة الاجتماعية و الزواج 

تزامنت زيارة بيرتون للمدينة مع تمدد نفوذ الدولة السعودية اليها و سيطرتهم عليها، قدر عدد سكانها ب ١٦ الفا 

الح عليه اصدقاؤه ان يسكن المدينة ويمارس فيها الطب، كان بيرتون ينوي البقاء في المدينة اكثر الا انه عجل السفر الى مكة 

اشترى مؤن تكفيه و رفيقه ١٤ يوما رغم ان الرحلة تستغرق ١١ يوما فقط تحسبا لتعرض مؤنهم للسلب و النهب 

مساء السفر كان منظر المناخة فوضى هائلة، خيام مطروحة على الارض و جمال تئن تحت وطئة لحمالها الثقيلة 

تحركت القافلة من الباب المصري الى محطة غراب. كانت القافلة تقطع ٢٥ ميلا في كل مرحلة قبل ان تستريح، وكانت رياح الظهيرة قاسية 

كانت الجمال بحاجة للماء بعد ٩٠ ساعة من السفر، ذهب مرافقه لجلب الماء من مسافة ميلين، كان العسكر حول البئر يبتزون الشاربين 

عاد رفيقه منتصرا بقربتين من الماء بعد ان صوب مسدسه على رأس من منعه، كانت لغة القوة هي السائدة 

كانت رياح السموم تهب بقوة و تؤثر على مزاج المسافرين، رأى بيرتون تركيا يتجادل مع عربي ولقي احدهم حتفه قتلا 

ذات مرة جلس بيرتون مع سلفيين وهابيين، اظهر احدهم كراهيته للدخان الذي يدخنه بيرتون

قدم بيرتون دخانه لاحد الوهابيين بابتسامة، فاستل خنجره ولكنه تراجع بعد ان سحب بيرتون مسدسه، لا يفل الحديد الا الحديد

وصلت القافلة لمكة في ٧ ذي الحجة عام ١٨٥٣، انخرطت القافلة في التلبية الحارة و البكاء 

توجه بيرتون الى الحرم للطواف بعد ان استراح لفترة من الوقت، عندما هبط الى صحن الطواف وقع نظره لاول مرة على الكعبة المشرفة 

من طرائف ما واجهه عند صحن الطواف بعض الحجاج يسألون عن اتجاه القبلة، كتب بيرتون كثيرا عن وصف الحجاج حول الكعبة 

تحرك بيرتون اول ايام الحج الى منى، كان الطريق مزدحما ومليء بالمشاحنات مختلطة باصوات التلبية و الحيوانات النافقة على الطريق 

تحركت القافلة الى عرفات حيث كان البشر اشد معاناة من الحيوانات، رأى بيرتون خمسة رجال موتى في الطريق بين منى و عرفات

تحولت عرفات الى مدينة للخيام، عند الظهيرة، تابع الحجاج موكب الشريف في طريقه الى قرب جبل الرحمة و حوله الحرس 

اثار انتباه بيرتون اسناء نساء تتردد يوم عرفه، كانت النساء ممن لا يستطعن اداء الحج يوصون محارمهم من الحجاج بالصياح باسمائهم

في عرفات ينتشر اللصوص، حيث شهر بيرتون احدى النساء وقد قبضت على احد اللصوص عند خيمتها 

عند الغروب بدأت فوضى نفرة الحجيج الى مزدلفة و تناثرت الخيام و تصادمت الجمال و بدا المكان و كأنه مكان موقعة حربية 

بات بيرتون في مزدلفة و جمع الحجارة وفي الصباح توجه للجمرات ونجى منها باعجوبة بعد ان تعثر و سقط ارضا 

بعدها تحلل من احرامه وحلق رأسه و هذب لحيته و قص اظافره 

اتيح لبيرتون دخول الكعبة. رفعه رجلان سمينان عند باب الكعبة و جذبه ثالث داخل الكعبة. قال ان جدرانها بلا نوافذ 

شهر بيرتون بالرهبة داخل الكعبة و تمكن من رسم صورتها الداخلية بقلم رصاص على احرامه 

بعد خروجه من الكعبة، كان عليه دفع ٧ جنيهات عند بابها. اخرج شاب من بني شيبة مفتاح الكعبة فدفع له بيرتون جنيها آخر 

كانت ايامه الباقية في مكة مبهجة و ناقش مع اصدقاءه فكرة القيام برحلة الى الشرق 

كما فعل في المدينة، زار بيرتون آثار مكة المعروفة و كتب عنها، و منها مقبرة المعلاة و مكان مولد النبي صلى الله عليه و سلم 

استأجر بيرتون جمالين في رحلة العودة الى جدة، وشعر فيها انه عاد لوطنه الثاني 

كانت جدة تعاني من اضطرابات بسبب تدفق الحجاج المغادرين و بسبب اضراب الجنود الذين لم يتلقوا رواتبهم منذ سبعة اشهر 

انتبه بيرتون الى تناول المسكرات في جدة و ظهور السكارى علنا، و الاكثر دهشة ان الناس يبدون غير مهتمين بذلك 

قبل ان يودع جدة، زار قبر امناء حواء وفي ديسمبر من عام ١٨٥٣، غادر بيرتون الى السويس 

عام ١٨٥٤، زار بيرتون منابع نهر النيل في افريقيا و مدينة المسلمين في الحبشة - هرر - و اكتشف بحيرة تانجانيقا 

عينه البريطانيون قنصلا في اسبانيا عام ١٨٦١، وقال فيها " ارسلوني هنا لاموت ولكني سأحيا رغم انوفهم" 

عمل دبلوماسيا في البرازيل عام ١٨٦٥ و من ثم الى دمشق عام ١٨٦٩، وفيها منع المبشرين من بني جلدتي من التبشير في سوريا بين المسلمين

كرهه اليهود لانه اوقف طمعهم و جشعهم، و كثرت ضده الشكاوي الى ان انهيت مهمته في بريطانيا عام ١٨٧١

منحته الملكة فيكتوريا لقب - سير - تقديرا لجهوده في البحث و الاستكشاف 

توفي بيرتون عام ١٨٩٠ عند سن ال ٧٠ عاما …. انتهى