Friday, January 2, 2015

رحلات محرمة - الرحالة جون توماس كين


ولد الرحالة جون توماس كين في يوركشاير في انجلترا عام ١٨٥٤، كان والده قسيسا عمل في مجال التبشر 

عمل كين بحارا مند ان كان في ال ١٢ من عمره وقضى فيها ١٧ عاما، عندما وصل الى جدة، كان كين قد جاب البحار السبعة 

عمل كين في عدة مجالات، التجارة البحرية، التاليف، عمل مراسلا حربيا في الصين، ورجل سكة حديد في الهند و احيانا عمل مزارعا

توجه الى اسطنبول عام ١٨٧٧ و عمل فيها جنديا في الجيش العثماني، وفي نفس العام توجه الى الاسكندرية 

اتيحت له فرصة زيارة مكة و المدينة واداء الحج، كان مستعدا لما اكتسبه من خبرة في التعامل مع المسلمين بسبب عمله في السفن 

جاءت الرحلة بعد ان تطورت السفن البخارية في اوروبا وبعد فته قناة السويس مما سهل الوصول الى ميناء جدة 

وزاد اهتمام بريطانيا، التي كانت تستعمر الهند آنذاك، بالحجاز بسبب حج مواطنيها و حرصا على تأمين الخطوط البحرية 

انتحل كين صفة رجل مسلم يدعى الحاج محمد امين، ومتسلحا بخبرته في البحار و عادات المسلمين، سافر الى الحجاز وهو في سن ال ٢٣

عندما وصل الى جدة، لاحظ كين سوء معاملة السلطات التركية التي كانت تفرض جمارك على كل حاج و بدون اي سبب 

لم يتكلم كين كثيرا عن جدة ولكنه وصفها بمدينة متعددة اللغات، سجل كين اسمه في القنصلية البريطانية 

حاولت القنصلية ثنيه عن الذهاب في رحلة الحج الا انه اصر على الذهاب 

اغتسل كين و لبس الاحرام وخرج الى مكة في قافلة امير من ٥٠ رجلا و ١٣ جملا خرجت القافلة من بوابة جدة الشرقية 

واجه كين و زميله مشكلة في الاستقرار في الشقدف مما اغضب الجمال الا انهم استرضوه ببعض المال 

قال كين انه لم يواجه صعوبات في البحار بقدر ما واجه صعوبة في تحمل الشدقف، توقفت القافلة في منتصف الطريق 

كانت القرية، حدة، فيها اكواخ للبدو و ماؤها مالح، لم يستطع كين النوم تلك الليلة بسبب تلبية الحجاج، و تحركت القافلة بعد الغروب 

وصل كين في اليوم التالي الى مكة، كانت الرحلة شاقة جدا و الطرق وعرة، كلما اقترب من وسط المدينة، كانت الطرق ضيقة و متسخة 

نزل كين في منزل على بعد اقدام من الحرم، كان يرى الحرم من نافذته، رغم التعب و الارهاق، تعجل كين في اداء العمرة  

حلق كين رأسه بعد العمرة و خفف شاربه و هذب لحيته و كان مسرورا بذلك و بعدها خلد الى نوم عميق حتى انه لم يستيقظ للفجر

اذهله التنوع العرقي و الطائفي في مكة ولم يجد له شبيه حتى في لندن، كانت غرفة كين مطله على الحرم و كان يؤدي الصلوات من غرفته 

كان كين حريصا على ان يظهر كثيرا في الخارج الا للضرورة لتجنب المواقف المحرجة 

قال كين: سمعت ان الحجاج يأتون للحج للتجارة، وهذا غير صحيح، هم مسلمون حقا جاؤا ليغسلوا ذنوبهم مؤمنين بالله

تحدث عن سلام صدور المسلمين وهم يصدقون كل ما يقال لهم حتى و ان كان كذبا 

وكان على كين ان يدق انه مسلم لانه لا مجال للتراجع لانه معروف في مكة انه مسلم، وبدأ كين يصدق هذه الكذبة 

عاش في مكة يفعل ما يفعله الحاج، يذهب للسوق لشراء حاجياته، و اصبح كين يتجول وحيدا داخل الحرم و مكة 

قال عن المسلمين: لا ينبغى للغالم الغربي ان يتخوف منهم، لم تبق للمسلمين وحدة بينهم تمكنهم من تنظيم شيء مرعب مثل الجهاد

كانت المتعة الوحيدة هى تدخين السجائر و تبادل القصص مه زملائه في غرفهم، ذات ليله سمع عن سيدة انجليزية في مكة اسمها زهرة

رتب معها لقائا و كان اول حديث متحفظا و التقاها مرة ثانية في الحرم ورافقها الى منزلها وفيها تبادلا الحديث بارتياح بلغتهما 

كان مسرورا ان رأى وجها انجليزيا كوجهه و عرف انها كانت في مكة ١٨٥٨ و امتنعت عن مصافحته عندما ودعته 

لفت نظره سعة صدر المكيين و ما تتمتع به المراة من حرية، كان النسوة يؤدون الصلاة مع الرجال دون حواجز عكس بعض المساجد

غادر الامير لى بيت المقدس و بقي كين مع بعض حاشية الامير، خلال تجواله في مكة، صادف اطفالا يلعبون في الشارع فوقف يتفرج 

صرخ احد الاطفال وهو يشير اليه، انظروا الى المسيحي، نهض المارة و اتجهوا تجاهه و كان وضع كين في خطر 

طالبه المارة ان يثبت انه مسلم، فما كان منه الا ان ضربهم، صرخ المارة عليه اقتلوا المسيحي و قاموا بقذفه بالحجارة 

احتمى كين بحارس تركي في المكان ولم ينقذه الا تاجر سبق ان تعرف عليه عندما كان يعقد صفقة مع الامير 

اعتذر له التاجر عن ما بدر من الصبيه وفرق الحارس التركي الجموع و رافقوه الى منزله 

عندما عاد الامير من رحلته لبيت المقدس، رافق كين الى المدرسة حيث يلعب الاطفال، وكل من تعرض لكين تلقى عقابا قاسيا من مدير المدرسة

قدم الرحالة وصفا دقيقا للحرم، مما جاء فيه نخلات من البرونز تعلق عليها الفوانيس و عددها ٢٨٦٠ فانوسا 

تحدث ايضا عن آثار قدمي ابراهيم عليه السلام على الحجر عندما كان يبني الكعبة، ولا يراها الا من يدفع مبلغا كبيرا 

وصف كين باب الكعبة الفضي وحلقات ثوب الكعبة و الحجر الاسود و الميزاب، يمنع الناس من النوم في الحرم ليلا 

انزعج الرحالة من طلبات البقشيش، اكثرية الشحاتين من الهنود ثم الاتراك ثم الفرس، ولكن لا يوجد شحاتين من الملايو 

قبيل صعود عرفة بيومين يغيير لباس الكعبة ويبلغ زحام مكة حدا لا يجد فيه المرء مكانا للوقوف في الشارع 

كانت نسبة الاتراك في ذلك الحج قليلة، ٦٪، بسبب الحرب مع روسيا، العرب ١٥٪، الهنود ٢٠٪، الافارقة ١٠٪، الفرس ١٠٪ .. الخ

لاحظ كين ان الاتراك غير محبوبين ليس بين العرب فحسب، بل بين المسلمين الاخرين بسبب تشبت الاتراك بلبسهم الغربي 

لاحظ كين ان المكيين اذكياء لانهم يتعلمون اللغات بمجرد سماعها ومعظمهم حرفيون مهرة 

تحدث كين عن الحيوانات في الحجاز فقال ان الحمير الجيدة التي تقطع بين جدة ومكة في يوم و نصف  تباع ب ٣٠ جنيها 

كانت السرقة في مكة قليلة و خلاعة النساء لا وجود لها و كذلك المسكرات، وعندما القي القبض على احد تجار المسكرات، كاد يفقد حياته

لم يسمع عن وباء كبير اجتاح مكة ربما نظرا لجفافها و نقاء جوها 

يوم عرفة صادف يوم جمعة، و تحرك اكثر من ٢٠٠ الف حاج من مكة، و تركوا مكة خالية من الرجال 

كان المكان فوضى و كانت الجمال تقف لساعتين في الطريق من شدة الزحام و كانت الشقادف تتحطكم عندما تحتك الجمال مع بعضها 

بعد ساعات، استطاع كين الخروج من مكة للطريق الواسع واستطاع ان يصل الى منى في الثالثة بعد الظهر و قضى فيها الليلة 

وصف كين موكب شريف مكة وهو يمر من امام نافذة غرفته في منى و الحرس يتدافعون لسد الطرقات و اجبار الواقفين على التراجع 

ثم جاء رتل من الجمال تحمل اغطية مذهبة، ومن بعدهم ١٢ حصانا بشرائط ذهبية و فضية، ثم جاء الشريف بعدهم على حصان جميل 

في مؤخرة الموكب اقارب الشريف وفي ذيل الموكب بقية الرسميين راكبين و راجلين 

شعر كين براحة لانه سيحمل لقب حاج، ومن المصادفة ان منزله في منى كانت تنزل فيه السيدة الانجليزية زهرة 

تحرك الموكب في اليوم الثاني الى عرفات و ترجل كين من جمله وقرر السير، كانت المسافة ١١ ميلا و شاهد في جنبات الطرق حيوانات نافقة

كما شاهد في جنبات الطرق قبورا جديدة لحجاج كبار السن قطعوا آلاف الاميال ليموتو قبل تحقيق لقب حاج 

نصب كين خيمته على بعد ميل من جبل الرحمة و توجه الى الجبل، كان المنظر جميلا، آلاف من الرؤوس السوداء و الملابس البيضاء 

كان الزحام شديدا عند الجبل و عندما انحدرت الشمس الى المغيب، بدأ زحام الهابطين من الجبل ووجد كين صعوبة في العودة لخيمته 

بدأت جمال قافلته في التحميل استعدادا للنفرة الى مزدلفة وفيها جمع الجمرات و منها الى منى ومنها مباشرة الى مكة على ظهر حمار

كانت شوارع مكة خالية وقام بالطواف ثم السعي على ظهر حمار وهو مسموح به للضعفاء، وفرح كين عندما تخلص من الاحرام 

عاد بعد ايام التشريق الى مكة، وذهب الى السوق لشراء بعض حاجياته وفيها التقى احد سكان الملايو ممن يتقنون الانجليزية 

حذره الرجل من ان يكون انجليزيا متخفيا مدعيا الاسلام ليكتب عن مغامرته عن رحلته لمكة و المدينة، ولكن كين نفى ذلك 

في ذلك اليوم، فتح باب الكعبة، وكانت مكة مزدحمة و استطاع كين ان يشق طريقه الى الكعبة و ان يدخل داخلها 

كان جوف الكعبة حارا و خانقا والقى نظرة داخلها، كل ما استطاع رؤيته في الظلام هو ستائر معلقة في الجدار الداخلي 

كانت هناك ثلاثة اعمدة تحمل سقف الكعبة بينها علقت فوانيس اضاءة، وكان هناك يوم مخصص للنساء لدخول الكعبة 

التقى كين مرة اخرى بزهرة الانجليزية في الحرم  وذهب الى منزلها وشكت له من اعتلال صحتها لاول مرة منذ ٢٠ عاما 

كانت زهرة تبكي و تنفس عن نفسها، وحتى تثق به افصح عن نفسه و عن حقيقته كمسيحي متخفي للحج و العمرة ليكتب عنها 

افصحت عن اسمها و قالت ان اسمها ماكنتوش و انها كانت مع والدها الطبيب في لنكاو، و اخذت من قبل الثوار ضد الانجليز

من اخذها اتى بها الى مكة حيث توفي بعد ثمان سنوات و تركها فقيرة معدمة، لكنها تبيع في السوق و تترجم الرسائل الانجليزية 

ودعها كين على امل ان يلتقي بها في موعد آخر 

كان كين يفكر في الذهاب الى جدة عندما هبت عاصفة مطرية اغرقت الشوارع و الدكاكين و دخلت المياه الى الحرم و اغرقت الكعبة 

رغم غرق الحرم، الا ان الطواف سباحة لم ينقطع 

انتشرت الكوليرا و الجدري بعد انحسار المطر ولاحظ كين ان الاصحاء لا يتجنبون المصابين بهذه الاوبئة 

بدأ موكب الامير الاستعداد للمغادرة الى المدينة المنورة، و كان هناك من يجمع المتطوعين للقتال بجانب تركيا ضد الروس 

تطوع كين وسجل اسمه ضمن المتطوعين لكن المحاولة فشلت بعد ان شكر السلطان العثماني المتطوعين معلنا انه لا يريدهم ان يموتو 

وصلت اليهم انباء ان الطريق الى المدينة غير آمن وفيه السرقات و قتل الحجاج، حاول كين ان يعتذر الا ان الامير اصر على مرافقته 

استجاب كين لطلبه الا انه اراد ان يعرف ماذا حصل لزهزة، وعرف انها عادت الى الهند و انها قررت البقاء هناك ولا تريد العودة لبريطانيا

بدأ كين يتضجر من تخفيه كمسلم و بدأ يحن للمسيحية. كانت قافلة كين المتجهة للمدينة تضم ٩٠٠ جمل و ٧٣٠ رجلا  

قال كين ان شائعة القتل و السرقة من البدو في الطريق لا صحة لها وان معظهم هذا الكلام تخيلات 

عند اقتراب القافلة لاحدى القرى ارسلوا من يشعرهم بقدومهم و توقفت القافلة للراحة و انزال الحمولة و الاكل 

ذهب افراد القافلة الى قرية البدو لشراء السمك المجفف و التمور و البطيخ و الحليب، وقبل ساعتين من غروب الشمس، آن وقت الرحيل

عندما انطلقت القافلة كانت ستمر بمنطقة اشتهرت بانتشار اللصوص، واستمع اهل القافلة لقصصهم المرعبة 

انتشر نبأ ان آخر جملين في القافلة فقدا و اختفى بهم اللصوص في الظلام، حتى ان احد الجملين كان يحمل امرأتين و طفل 

كان منظر القافلة ليلا مضاءة بالنيران التي اشعلت بين الخيام، تعرض كين لمحاولة سرقة عندما لمح فوقه سكينا في يد رجل 

شعر كين بالرعب لكنه استجمع قواه ولكمه فسقط على ظهره وهرب 

كانت القافلة تسير في مرتفعات جبلية، تعثر احد الجمال و سقط و تمزق الشقدف، تعرض الجمل لكسور ولحظ الراكبين لم يصابا باذى

اجتازت القافلة احدى الممرات وقيل لهم ان قطاع الطرق ذبحوا ٣٠٠٠ حاج من المغاربة 

سجل كين لحظت الرعب عندما نفذ الماء من القافلة قبل ان تصل لاقرب قرية. كان الحجاج يتساقطون الواحد تلو الاخر من العطش 

من سقط منهم يترك ليموت، ما زالت القافلة على بعد ١٣ ساعة قبل الوصول لاقرب بئر 

كانت المفاجأة عندما ظهرت لهم رؤوس النخيل قرب رابغ، دب النشاط في جسد الجمال عندما شمت رائحة الماء في احدى اودية رابغ 

تدافع الحجاج يرطبون اقدامهم المتورمة و يغتسلون، نصبت الخيام قرب الوادي و تناولوا اللحم و الخضار 

احصت قافلة كين خسائرها فوجدت انها خسرت ٥٢ حاجا و ٩ جمال، رئيس القافلة اعتبر هذا نصرا لانه وصل باقل الخسائر 

تعرض كين لجرح فيما كان ينظف الاواني حتى ظن انه ميت و كتب وصيته للقنصل البريطاني وراح في اغماءه 

اختلف اهل القافلة بين من يريد دفنه وبين من عارض ذلك. احضروا طبيبا من قرية قريبة ليفحصه، فاوصى بعلاجه 

لم يفق كين من الاغماءة الا بعد ان تذوق طعم الحلوى، وضعوا قطعة من البطيخ في فمه فلتهمها بسرعة 

عندما عاد كين لوعيه وجد نفسه مغطى بالدم اليابس وقد نحل جسمه. بعد يومين تحسنت صحته و تحسنت شهيته 

 كان منظر المدينة ساحرا مثل منظر اسطنبول من بحر مرمرة بسورها الابيض الجميل و مناراتها البارزة الذهبية 

انفجر الحجاج باكين و شاكرين الله لوصولهم سالمين. نزل كين في المدينة ووجد شوارعها نظيفة و مستقيمة 

شاهد كين مظاهر الثراء على سكانها البالغ عددهم ٢٠ الفا، ورغم الالم صمم كين على زيارة قبر النبي صلى الله عليه و سلم 

مكث كين في المدينة ١٠ ايام وبعدها غادرت القافلة المدينة ووصلت الى وادي فاطمة بعد ١٣ يوما 

توجه كين بعدها الى جدة و غير ملابسة و تناول الطعام في مطعم فرنسي و تعرف على فرنسيين و حكى لهم قصته 

زار القنصلية البريطانية و بدأ يحس بكراهية لقب حاج و بالحياة التي مر بها 

قطع تذكرة على احدى السفن الكبيرة المتجهة الى بومباي وكانت راسية بعيدة عن الميناء بسبب الشعب المرجانية 

شحنت معه ثلاث احصنة و عند محاولة نقلها للسفينة سقطت و غرقت و صاحبها ينظر اليها بحسرة 

استغرقت رحلة العودة ٢١ يوما و هبط كين الى الهند لابسا لبس البحارة الانجليز 

لم يشك احد تلك الليلة ان ذلك الرجل الذي اكل كثيرا من لحم الخنزير في عشائه كان مسلما متحمسا مخلصا لاسلامه … انتهى .. 

No comments:

Post a Comment